إن علاقاتنا الموسومة بالحب تتعدَّى تلك الدائرة التي رسمتها العادات والتقاليد لنا، والتي تجعلها حبيسة رجل وامرأة يلعبان كـ"توم وجيري" كي يمسك أحدهما الآخر، وكل عنصر خارج عنها قد يصنف كشاذ عن القاعدة.. حبنا للأهل فطرة تولد فينا، لكننا لا نتعلم التعبير عنها.. نفطم من صغرنا على عبارات المجاملة والشكر والامتنان للآخر؛ لأنه كان يوماً هنا لأجلنا، نتعلم أن الصمت موافقة وأحياناً تعبير عن الحب. عن الحب الأبكم أو الأجدر بنا أن نسميه المحتضر.. نؤمن أن بقاء الآخر إلى جانبنا وعدم فراره إلى غيرنا أكبر دليل على أنه يكنّ لنا المشاعر.. أحياناً يكون الآخر فقط جباناً، فهنالك ذلك الخوف من الوحدة، أن نكون عراة مع أنفسنا ونرى الشظايا المتلظية فينا.. نخاف أن نتلمس ندوباً جمّلناها كي لا يراها الآخر، نظل فقط كي نهرب من أنفسنا وننسى حتى وإن لم يظل من الحب غير فتات لا يحيي، ولكن لا يميت في نفس الوقت.. غالباً نصل إلى هذه المرحلة من الحب ونكابر، نظل نستنزف أرواحنا لنمنح الحياة لمن ولَّى ورحل مند أزل، فلم يعد غير طيفه يداعبنا ويستهزئ بنا.. تارة يدللنا كي يصفعنا في نفس اللحظة، ونحن نستوعب أننا نبحر في زورق معيوب غير قادر على تحقيق التوازن.. المشكلة هنا هو أننا لم نعطِ الفرصة لأنفسنا كي نقرر ما الأهم؟ أأرواحنا التي تعاني أم حب يستنزف دواخلنا كي تظل جثة الحب قابعة في دواخلنا تذكرنا أن الآخر ما عاد نفس الحبيب بعدما علت أمواج الحياة.. هذا الحب نخرج منه مفلسين من المشاعر حانقين على الزمن والأيام، وننسى أن بعد الحب الكبير لعلنا نصادف حباً عظيماً. عن الحب الجارف، ذلك الذي يأخذ معه كل شيء ولا يترك لنا غير الأطلال وعبارات قبيل يا ليت وماذا لو، ماذا لو انسحبنا مبكراً من هذه المعركة وخرجنا منها بأقل الأضرار.. ماذا لو عرفنا طينة الآخر قبل أن ننجرف؟ ماذا لو حافظنا على صورته الجميلة من بعيد ومضينا.. لكنها الأقدار.. دائماً ما تسوقنا إلى الهاوية ونحن منتشون بخمرة الحب الواهم.. قناع حب يخفي وراءه وجهاً مشوهاً بالخيانة يلبس حجاب الوفاء مرفوقاً بزينة أول مرة، أول مرة أحب أحدهم هكذا، أول مرة أتغير لأجل أحدهم، أول مرة أكتفي بجسد واحد، إنه مخدر أول مرة الذي تعشقه النساء وتنسى أن روحاً أدمنت أجساد النساء لن تثمل يوماً في فراش حب واحد؛ بل ستظل تتخبط بين المآلات ولن تجد يوماً مستقراً، أن روحاً رحالة لن تقبل يوماً السكنى الهادئة.. أتدري.. ببساطة لا أحد يتغير.. بعضنا فقط يمر بصراعات داخلية ويقرر أن يتقدم، لكن البعض الآخر يمضي هكذا بلا وجهة ولا هدف، حب كهذا حتى وإن خسرنا فيها كل شيء يجب أن نفلت منه بأنفسنا، لا نخسرها في معركة خاسرة أعمتنا فيها الأوهام وتلك الآمال الواهية بأنه كلما أغدقنا بالعطاء في الحب، تلقينا عطاء أكبر.. بعض الأشخاص أرض قاحلة لا تصلح للزرع، وكل ري لها هو خسران، فلنحمل ما تبقى منا ولنهرب بعيداً.. فمن يحب لا يخون. عن الحب الذاتي.. أن تستفيق صباحاً في المرآة لتبتسم لروح هي أنت.. أن تجلس مع نفسك وتجالسها كي تكتشفها وتكشف عن تلك الأركان المظلمة التي أوصدتها خوفاً من العتمة، أن ترى النور القابع في عتمتك وتؤمن أنه في إحدى زواياك تكمن العظمة وأنك لم تجئ هذا العالم فقط لتستهلك الأكسجين والغداء، أنَّك ها هنا في هذه الأرض لمهمة ورحلة عظيمة لن تبدأ إلا بعد أن تتصالح مع نفسك وكل أخطائها.. اغفر لنفسك أولاً وستجد طريق هذا الحب. تعلم أن السقوط ضروري في بداية الحياة؛ كي نتعلم المشي المستقيم، وأن الطفل لا يبدأ بالجري أولاً.. حاور الطفل والعاقل والعجوز الكامنين بداخلك، حدد موقفك من كل الأشياء الماضية التي أخذت منك ولم تعطِك، تعلم أن تنسى وتمضي لعلك في الطريق تهتدي إلى السبيل، أحب نفسك أولاً قبل أن تجمع حفنة الحب المتبقية بداخلك بعد الخيبات وتمنحها لأول عابر سبيل ابتسم لك.. أحياناً لا تكون ابتسامة مودة بقدر ما هي ابتسامة ذئب وجد للتو وليمته.. فلنتعلم أن نحب أنفسنا كي يتعلم الآخرون حبنا. عن الحب الأعظم.. عن العشق.. عشق مَن في وسط الجحود والنكران حنا لدمعة رفت من عين أتعبها السهر ونسيت الدعاء متناسية غير ناسية أنه الحي الذي لا ينام، أنه الغفور ذو الجلال والإكرام.. لأعين ناجت الخلق توسلته ونسيت الخالق الذي ما رد عبداً خائباً وما نسي مظلوماً توسد دمعه ونام.. لمن كان وما زال وسيظل السند والمعيل حين يغدر البشر ويديرون ظهورهم.. سماح لمن مهما عظمت ذنوبنا عظم غفرانه.. سماح لأهل السماح.. لأحبة ينبض القلب بحبهم وذكراهم منقوشة في القلب شاهدة على مكانة لن يطأها غيرهم.. لجميلات هن أحلى صديقات ضحكت معهن على الزمن ولعناه.. لأصدقاء كانوا نعم الرجال في زمن أصبحت فيه الرجولة عملة نادرة.. لرفقاء درب مضوا بسلام دون ندوب ولا آلام.. لأرواح كانت هنا واليوم هي أطياف تزورني في السنة يوماً.. سماح لأهل الحب والعشق والسماح.. سماح في عيد حب انقسمنا عليها كما انقسمنا في كل شيء كي نفتي مجدداً عن الحلال والحرام في احتفال حضر فيه كل شيء غير الحب.. نسينا أو قد تناسينا أن الحب هو الحل.. فلنغفر ولنسامح ولنحب لعل لعنة السماء تزول، ويزورنا الحب هذا العيد ونعيش سعداء. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.