يبدو أن الأمر جدي جدا، وأن بيع جزء يسير من شركة أرامكو السعودية، يسير بخطى حثيثة، فبنهاية الأسبوع الماضي أعلنت الفايننشال تايمز، عن فوز المستشار المالي «موليس» بعقد طرح الشركة في أسواق المال العالمية. يجب أن لا نقلل من آراء المتحفظين، لكن في الوقت نفسه، يجب أن نعي أن أرمكو منذ إنشائها العام 1932، وحتى منتصف الثمانينات، كانت شركة مختلطة سعودية أمريكية، ومع ذلك حافظت حكومة المملكة على سيادتها. بل إن بعض الآراء المحلية، تحفظت على تقليص حصة الأمريكان، وحتى خروجهم تماما من ملكية الشركة، وحجتها: أن إبقاءهم ولو بنسبة صغيرة، يلزمهم بالمشاركة بالدفاع عنها، وعن مصالح البترول، لو تهددها أية مخاطر، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية. أرامكو السعودية، تعد أكبر شركة بترول في العالم، من حيث القيمة السوقية، حيث بلغت قيمتها سبعة تريليونات دولار، حسب تقديرات للفايننشال تايمز، صدرت العام 2010. تأسست الشركة بإرادة من الملك عبدالعزيز رحمه الله، الذي وجد أن مستقبل اكتشاف النفط، يكمن في التقنية الأمريكية، بعدما أخفقت الشركات البريطانية -التي كانت رائدة في ذلك المجال- حينها، في تحقيق أي كشف يذكر. مرت العلاقة بين السعودية والنفط، بمراحل عديدة، بدءا من بضعة سنتات تدخل خزينة الدولة، حتى وصلت إلى عز مجدها في العام 2012، عندما حلق السعر ملامسا 120 دولارا. إلا أن المعضلة الكبرى في تلك العلاقة، إنها حب من طرف واحد، فالنفط لا يخضع لمشيئة المحب دائما، بل ضحية للأسواق وحصص الإنتاج، وتباطؤ وتسارع الاقتصاد العالمي. إنها معادلة معقدة، قد لا يفهمها كثير من المحبين، الذين ولدوا ونشأوا وهذا النفط يخرج من بين أيديهم، إلى أسواق العالم، جالبا معه الدولارات والسيارات والطائرات والتنمية المستدامة، ومن المحتم عليهم اليوم، أن يكتفوا من تلك السلعة الفانية، ويبنوا مستقبلهم وحياتهم بدونها. هناك من يرى أن مجرد التفكير في التخلي عنه، هو ضرب من الجنون، إنها قصة ابن هذه الجزيرة العربية القاحلة، مع النخلة والبعير وبقية الحلال، الذي وجد صعوبة كبرى في التخلي عنها عندما بدأ مشروع التوطين، وإنشاء الهجر، اليوم لم تعد المزارع والحلال، سوى زينة وأماكن للفسح، والراحة، ولربما تصبح آبار النفط ذات يوم مجرد مزارات للذكرى. السؤال المهم حاليا، هل نحن في وارد التخلي عن هيمنة النفط على حياتنا وارتهاننا له، ونحن نضع على رأس أولوياتنا التنموية منذ عقود طويلة، فكرة «تنويع مصادر الدخل»، التي لم يتحقق منها شيء. إذا كان ذلك صحيحا، فإن بيع جزء من النفط، يجب أن لا يمثل هاجسا، عندها ستتراجع أهمية النفط، ويصبح كأي سلعة أو خدمة تقبل التخصيص، الفكرة تبدو وجيهة، مع أن بعضنا لا زال يغص بفكرة التخلي عن 5% فقط من شركة أرامكو. السؤال الثاني، ماذا لو غارت آبار النفط، وقل الإنتاج، وغير الاقتصاد العالمي من اعتماده على الوقود القادم من «صحاري» البترول، وأصبح مجرد سائل أسود لا قيمة له، كما هو الفحم الحجري اليوم. هل سنندم عندها، على عدم بيعنا لحصة بسيطة، كانت ستساهم بفعالية في بناء أكبر صندوق سيادي في العالم، يفترض أن يحقق لنا عوائد تسد الرمق والجوع، إنه قصة النفط والجوع والغنى والرفاهية، نتقاسمها منذ مئة عام، ولم نجد لها حلا لليوم. نقلا عن عكاظ