جاء رجل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يسأله عن الساعة، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، «إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة، قال وكيف إضاعتها؟، قال إذا وسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» رواه البخاري، وهذا يعني - على قدر علمي المتواضع - أن شيوع «الواسطة» علامة من علامات الساعة «أي يوم القيامة»، وكلما استحكمتْ حلقاتها على واقعنا، كلما دنى الموعد واقتربت اللحظة.. لماذا؟!. ببساطة، قال الله - سبحانه – لملائكته قبل خلق أبونا آدم { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً }، وتحقيق الخلافة يلزمه ركنان، عقل، وإرادة، ولذا متّع الله الإنسان بهما دون سائر خلقه، العقل للتفكير والتخطيط، والإرادة لإخراج عمل العقل إلى حيز التنفيذ، وفعل الإرادة وعمل العقل يحكمهما منهج رباني افعل ولا تفعل، لضبط حركة الإنسان في الحياة، بحيث لا يجهل، ولا يقتل، ولا يظلم. والله حين خلق الناس خلقهم بتنوع في اكتساب المعارف عن طريق العقل، وبتنوع في تطبيق مُكتسب العقل عن طريق فعل الإرادة، خلقهم ليدفعهم فطرياً إلى التلاحم والتعاون، لا إلى التناحر والتفرق، فيتحقق إعمار الأرض، وفق منهج رباني يضمن تحقيق معنى الاستخلاف في الأرض. إنَّ الإنسان مجموعة مُتباينة من القدرات والمواهب والمَلكات، والحكمة تقتضي وضع الكفء الأمين في مجاله لينتج ويبدع، لا أن يتدخل أرباب النفوذ لإفساد تلك الموازنة بوضع الشيء في غير موضعه، تحيزاً لأقاربهم أو معارفهم، فيولّوهم مِهناً لا يحسنون أداءها، فتقع الطامة الكبرى بإبعاد مستحق وتمكين من لا يستحق، فنهدر طاقة بشرية فاعلة، ثم نتركها تتجرع مرارة الظلم والتهميش، إضافة إلى هدر اقتصادي مؤكد بتمكين فاشل في مجال ما، ليزداد المجيد إحباطاً، ويزداد الفاشل فشلاً. الحقيقة نحن أمام مرض اجتماعي مُضن اسمه «الواسطة»، ذلك المرض اللعين الذي لم يبرأ منه مجتمع، والذي يمحو كل الشروط وينسف كل القواعد، فيجعل الكسيح أسرع من كل العدائيين، ويجعل الكفيف أحدّ بصراً من كل المُبصرين، ويجعل الجاهل أكثر علماً من كل المتعلمين، إذن فـ «الواسطة» تسبح في اتجاه مضاد للفطرة السليمة، ولكافة قوانين السببية التي وضعها الله في الأرض، ومن ثم تصبح أحد أهم المعوقات التي تمنع البشر من ممارسة أدوارهم في الحياة. ومن أسف، فإنَّ «الواسطة» مرض خبيث، يثمر حزمة متكاملة من الأمراض الاجتماعية مثل، منافقة أهل النفوذ وأهل القرار، فتح الأبواب الخلفية لتلقي الرشاوى، إشاعة الكراهية والحقد في المجتمع، قتل الإيمان بالعلم والتفوق والبحث، خلق الأمراض النفسية والعصبية، تنمية التجرؤ على منظومة القيم والأخلاق، تدمير الانتماء للوطن، وهذه كفيلة بشلِّ منظومة الحياة، بل كفيلة بتدمير الحياة ذاتها في مراحلها المتقدمة. لا أعلم متى سنعلنها حرباً لا هوادة فيها على تلك الأوضاع المُختلّة والأمراض الفتّاكة، التي تحطم طموحات الأمة وتقتل سعيها نحو غدِ أفضل، يصنعه أبناؤها الأكفاء المخلصون.