لا شك أن وسائل التواصل والاتصال الحديثة، هي أكبر نِعم هذا العصر، حيث وفرت لنا الوقت والجهد في التواصل مع الآخرين بكل يسر وسهولة. ساهمت في إزالة الحدود الطبيعية بين الناس، حيث يستطيع الإنسان التواصل مع أي شخص في العالم من دون تكاليف تذكر. ولكن مع كل ايجابيات وسائل الاتصال والتواصل، إلا أن غالبية الرسائل التي تنتشر هي رسائل الخيال والغيبة والكراهية من الآخرين الذين نتشابه معهم في الكثير من الأمور. ونظرة تأمل على ما يكتب في مواقع التواصل الاجتماعية المختلفة فستجد العجب، فلا يكاد يمر عليك يوم واحد أو ساعة إلا وتجد العشرات من الرسائل التحريضية على الطرف الآخر من دون أي تثبت يذكر، خصوصاً في القروبات... من دون تأكد من مصدر المعلومة على الأقل. البعض وصل لدرجة الهوس في إرسال رسائل وخطابات الكراهية. بعض هذه الرسائل تصنف مجموعة من الوكالات على أنها تتبع المكروهين وتدعو إلى مقاطعتها.؟ وآخر يضع بعض المنتجات لبعض الدول بحجة المخالفة لنا، ويطلب كذلك عدم الشراء منها. كل هذا يتم من خلال خطاب عاطفي غير مدروس، بل ويعبر عن حجم الأزمة التي نعيشها في المجتمعات العربية. مع كل أسف أقول، إن أغلب المحتوى العربي في وسائل التواصل الاجتماعي ضعيف وتافه، ويدعو إلى التفرقة وبث وإذكاء الطائفية في حسابات معروفة وأغلبها غير ذلك. وكل هذه الأمراض الاجتماعية كانت موجودة خلف الأبواب المغلقة، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي جعلتها في المقدمة والصدارة. وغالبية تصرفات أصحاب خطاب الكراهية تكون عاطفية، وأصبحوا خبراء بالكراهية، وهذه نتيجة طبيعية، وعندما تمارس الغضب بكثرة تصبح خبيراً فيه، وكذلك كثرة القلق تجعلك متفوقاً به بل وستقلق من كل شيء من حولك، من الشوارع والسفر والعمل والقائمة تطول. وعلى عكس ذلك إذا كانت نظرتك للحياة ايجابية وعلى الآخرين، وكنت متسامحاً وناشراً للمحبة والسلام، فسينعكس ذلك على نفسك وحياتك وتعاملاتك أينما كنت، وسيتأثر الآخرون بك، وابدأ من هذه اللحظة بتغيير عاداتك السيئة إلى عادات ايجابية... لا تنشر خبر مهما كانت أهميته من دون أن تتأكد وتتثبت. إننا بأمس الحاجة للحديث عن التسامح وإشاعة مبادئه بين الناس. إنها ثقافة مهمة للتعايش داخل المجتمع الواحد، ولو تأمل المرء لوجد أن القواسم المشتركة أكثر بكثير من التقاطعات والاختلافات. والتسامح هو التغيير والتأثير بالقناعات للوصول إلى أرضية مشتركة، وإننا بأمس الحاجة لتأصيل لغة الحوار حتى بين المتخاصمين لأن ما يجمعنا أكبر بكثير من الذي يفرقنا من القيم الإنسانية... وهو يعتبر التمهيد وبوابة التسامح لأن من خلال الحوار الفعال نستطيع أن نتفهم وجهة نظر الآخر خصوصا من الذين يحملون معتقدات مغايرة. أعتقد بأن مرض وهوس الكراهية من الآخر، يجب التصدي له بكل حزم عن طريق نشر ثقافة التسامح، بداية من البيت. والوالدان عليهما المسؤولية الكبيرة في ذلك، والمدرسة والكتاب وقادة الرأي وأعضاء مجلس الأمة وخطباء المساجد، كل هؤلاء عليهم مسؤولية كبيرة. ما أجمل أن نعيش بتسامح في ما بيننا وأن نعلم التسامح لأبنائنا ومن حولنا، بدلاً من أن نشحنهم صباح مساء بما لا يعود عليهم وعلى أوطانهم بالخير. ورحم الله الإمام الشافعي عندما قال: لما عفوت ولم أحقد على أحدِ أرحت نفسي من هم العداوات akandary@gmail.com