تكرم جائزة الملك فيصل العالمية، مساء اليوم، الأستاذ الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وعضو مجمع الفقه الإسلامي، وعضو عدد من المجالس العلمية المرموقة، لقاء فوزه بجائزة الدراسات الإسلامية لهذا العام، عن التراث الحضاري والتاريخي لمكة المكرمة، ممثلا بكتابه (باب السلام)، وهو عمل عظيم يوثق دور أحد أهم المعالم الثقافية في مكة المكرمة لقرون عدة. فالدكتور أبو سليمان عالم موسوعي، ليس في مجال تخصصه في الفقه المقارن فحسب، ولكنه تصدى لدراسات عديدة، اختصت بمكة المكرمة في جوانبها التراثية والثقافية والتاريخية والاجتماعية. كتابه (المسجد الحرام، الجامع والجامعة)، إثبات لمقولة كتبها أستاذنا الدكتور محمد الشامخ بأن دور المسجد الحرام ظل، وفي أحلك الظروف التي مرت بالعالم الإسلامي، شعلة تنوير، من خلال الحلقات العلمية، واتصال العلماء بعضهم ببعض، أثناء زياراتهم المكية للحج والعمرة. كان للعلامة أبو سليمان دور بارز في توسعة الملك عبدالله المباركة للمسعى، وذلك من خلال كتابه (توسعة المسعى) حين جاهد جهاد العالم، مع ثلة من العلماء، بتوجيه كريم من ملك كريم، للتيسير على المسلمين في إكمال سعيهم بسهولة ويسر. الوراقة والوراقون المكيون، ودور الكتب المكية، احتلت أهميتها في فكر العلامة أبو سليمان، حين كتب عن الوراقين في مكة، وعمل لسنوات في فهرسة كتب مكتبة مكة المكرمة، وكتب عن موقع المكتبة التي كانت في موضع دار مولد الرسول الكريم في رباع بني هاشم، قريبا من الدار التي سكنها رسول الله المعروفة بدار السيدة، أم المؤمنين، خديجة ــ رضي الله عنها ــ في رباع بني عبد شمس. كتابه (الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة: عرض وتحليل)، وثق ليس بالتواتر فحسب، وإنما بالرجوع إلى أوثق المصادر المكية، صحة الأماكن الدينية، والتاريخية المأثورة في مكة المكرمة، زادها الله تشريفا وتعظيما. كان من أهم إنجازات العلامة أبو سليمان كتابه عن (باب السلام)، موضوع الجائزة، كما جاء في بيان هيئة الجائزة، فقد وثق بهذا الكتاب معلما من أهم المعالم الثقافية لمجتمع مكة المكرمة، والقادمين إليها من الأصقاع. مكتبات باب السلام كانت رافدا مهما للحياة العلمية في الحجاز، بحلقات الدرس في المسجد الحرام، والمدارس التي انتشرت في مكة، والمكتبات، وحاجة المجتمع المكي المثقف لأوعية الكتاب التقليدي. فإذا ما كان الشيخ يدرس في حلقته (مسند الأمام أحمد بن حنبل)، كانت مكتبات باب السلام توفره لطالب العلم. ومن هنا فإن جذوة الحياة العلمية في الحجاز لم تنقطع طيلة العصور. لذا فلا غرابة أن يكون العمل محل استحقاق وجدارة. أما عن أستاذنا وحبيبنا، والذي أعده في مكان الأخ الشقيق، فالجميع يعرف مكانته وقدره وعلمه، حين لا يضن بما يعرف لمن لا يعرف، أخوته أخوة صدق، ووفاؤه نادر، وفوق كل ذلك فإن دفاعه عن تراث مكة ورجالها وكل شبر فيها، دفاع مستميت، يوقعه في بعض الأحيان في حرج مع من يشاطرونه في حب البلد الأمين. ومن ذا الذي لا يحب أطهر بقاع الأرض، بيت الله الحرام، وحرمه المبارك، وكل ذرة من ترابها؟ إن مما يعرف عن الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان شدة تواضعه، وقربه من الناس، رغم مناصبه المرموقة الرفيعة، ولكنه سيد المنابر عالما فقيها صاحب رأي وموقف، لا يحيد عنه. كل ذلك هو جدير به وصاحب جدارة. ولكنه أيضا يتنازل عن كل ذلك عند إظهار حبه لحي ليلى، فحي ليلى اسم كنى به بعض رحالة المغرب، والأندلس، مكة المكرمة. وهنا ينطبق على فضيلته قول الشاعر: فنحن الأوالي في البلاد جميعها وفي حي ليلى من أقل عبيدها إليك يا أبا أنس والي أيضا أجمل التهاني بالجائزة الرفيعة، جائزة الملك فيصل العالمية.