استمع د.ناجي صادق شراب دونالد ترامب هو الأول بين الرؤساء الأمريكيين ممن سبقوه الذين أثار وصولهم للرئاسة جدلاً سياسياً عجزت كل استطلاعات الرأي التنبؤ بفوزه، والوحيد الذي يتعرض منذ اليوم الأول لفوزه لحركات احتجاجات، ومعارضة شعبية غير مسبوقة، دفعت للتسرع في إصدار التوقعات عن إمكانية قدرته على تكملة رئاسته في الأربع سنوات القادمة، وتناثرت السيناريوهات التي وصل بعضها للتوقع بتعرضه لمحاولة اغتيال أو حدوث انقلاب عسكري، وهو أمر مستبعد تماماً في نظام سياسي ديمقراطي أحد أبرز ركائزه خضوع أقوى وأكبر مؤسسة عسكرية لشخص الرئيس المنتخب، فعلاقة التبعية واضحة من المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية. والسؤال أيهما أقوى، آليات وصلاحيات منصب الرئيس أو آليات عزله؟ يستمد الرئيس الأمريكي قوته كونه الوحيد في النظام السياسي الأمريكي الذي يأتي عبر انتخابات عامة كل أربع سنوات من قبل الشعب الأمريكي، ووفقاً لذلك فهو مسؤول مسؤولية مباشرة أمام الشعب الأمريكي، وقوته تساوي قوة الكونغرس الأمريكي بمجلسيه، ولذلك منح الكونغرس صلاحيات في آليات عزل الرئيس في مناسبات محددة، لكنها مقيدة ومحدودة. ويستمد الرئيس قوته أيضاً من كون النظام السياسي الأمريكي يقوم على مبدأ الفصل المطلق بين السلطات، بمعنى أنه لا يمكن للرئيس حل البرلمان، ولا يمكن للبرلمان حجب الثقة عن الرئيس إلا في حالة إساءته لمنصبه، ويعتبر الرئيس الشخص الوحيد المفوض وفقاً للدستور الأمريكي برئاسة السلطة التنفيذية التي تفوض كلها في شخصه، وبناءً عليه له حرية مطلقه في اختيار وزرائه، ويمارس من الصلاحيات التنفيذية ما لا يمارسه أي رئيس آخر في العالم، فهو رئيس الدولة، ورئيس السلطة التنفيذية والدبلوماسي الأول، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، والمشرع الرئيس، ورئيس أحد أكبر الأحزاب في الولايات المتحدة. لكن هذه الصلاحيات الواسعة لا يمارسها الرئيس بشكل مطلق، فتوجد قيود وحدود لممارسته لسلطاته منها: نظام الكوابح الذي يعطي الكونغرس والمحكمة الاتحادية العليا سلطات تقيد من سلطات الرئيس، لكن في حالة الرئيس ترامب فلديه في الكونغرس الأغلبية من الحزب الجمهوري، ومحكمة اتحادية عليا قضاتها أكثر تأييداً له. ومن القيود وسائل الإعلام وهنا أيضاً يمكن التحكم فيها من خلال ترهيب وإخافة الإعلام المعارض وخلق الإعلام المؤيد، وهنا يلعب المال عنصراً مهماً له. ومن الوسائل التي يتميز بها النظام السياسي دور اللوبيات وجماعات الضغط، ويتفاوت دورها بين التأييد والمعارضة. ويلعب الرأي العام دوراً مؤثراً، كما لاحظنا بالنسبة لمعارضة القرارات التي اتخذها الرئيس بالنسبة لمنع مواطني سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة، وخروج المسيرات الشعبية في حالة غير مسبوقة. رغم كل هذه العناصر التي تدعم الرئيس الأمريكي وتدفع في اتجاه سيناريو تكملة السنوات الأربع، فإن الدستور أوضح الحالات التي يمكن أن يفقد من خلالها منصبه، كالاستقالة والعزل، والوفاة، ولعل أهمها إقالة الرئيس من منصبه إذا ما وجهت إليه تهمة الإساءة للمنصب، أو الإضرار بالمصالح العليا للولايات المتحدة، وهي عملية معقدة وطويلة، وليس من السهل الوصول لهذه المرحلة، وسبق أن رأينا ذلك في حالة الرئيس نيكسون وفضيحة ووترجيت، والرئيس كلينتون. فالأول لم يكمل رئاسته، والثاني أكملها بحكم الأغلبية الديمقراطية وقتها في مجلس الشيوخ.. عملية الإقالة معقدة، ومن خلالها يقوم الكونغرس بمجلسيه بتوجيه الاتهام، ويلعب مجلس الشيوخ دوراً بارزاً كدور النيابة والدفاع. هذا السيناريو يبقى احتمالاً قائماً إذا ما اكتشفت خروق في حياة الرئيس ترامب، وهو أمر ليس قوياً، ويبقى الاحتمال الأكبر هو اتخاذ قرارات تتناقض والقسم الدستوري، وما قد يترتب عليها من انقسام داخلي يهدد وحدة البلاد ما يضطر الكونغرس للنظر في عزل الرئيس. ويبقى أخيراً تكرار نموذج الرئيس جون كيندي، ومع ذلك يبقى النظام السياسي أكبر من قوة الرئيس الذي يعتبر في النهاية نتاج هذا النظام وأحد مخرجاته. drnagish@gmail.com