استبشرنا خيراً مع صدور المرسوم بقانون رقم 24 لسنة 2012 الخاص بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية. وبعد انقضاء ثلاث سنوات كان فيه القانون حيز التنفيذ، أصدرت المحكمة الدستورية حكمها الشهير بعدم دستورية المرسوم، لانعدام صفة الضرورة فيه عند صدوره، إلا أن كلاً من الحكومة ومجلس الأمة تدارك ذلك باعتباره مطلباً وطنياً مستحقاً من خلال إصدار القانون مرة أخرى وفقا للقنوات الدستورية في عام 2016. ورغم انقضاء خمس سنوات على إنشاء الهيئة، إلا أنها لم تحقق ما هو مأمول منها على أرض الواقع، وقد ظهر للعيان وبما لا يترك مجالاً للشك، حجم الخلافات الهائلة وتضارب الاختصاصات بين كل من رئيس الهيئة ونائبه ومجلس الأمناء حتى «فاحت» تلك الخلافات وبانت للعلن، وأدى ذلك إلى قيام الوزير بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق وبيان الأسباب التي أدت إلى حدوث مثل هذا الأمر! إن المطلع على تقرير اللجنة يُصعق لما وصلت إليه الأمور داخل الهيئة، ولعل ما جاء في البند الثالث من التقرير والذي يوجز نتائج أعمال اللجنة وفقاً للآتي «اختفاء كل مقومات ومتطلبات استمرار الهيئة وقدرتها في النهوض بالمسؤولية الوطنية المكلفة بها...» يلخص وبوضوح حال الهيئة المزري الذي وصلت إليه! لقد ذكر التقرير أن هناك تشابكاً واضحاً في الاختصاصات بين رئيس الهيئة وأعضاء مجلس الأمناء والجهاز التنفيذي وأن القانون واللائحة التنفيذية قد خلت من تحديد آلية واضحة لتنظيم العمل وآلية إصدار القرارات وممارسة الاختصاصات، وهذا يستوجب وقفة جادة لإعادة النظر في القانون وإجراء التعديلات اللازمة لمعالجة الاعوجاج الذي شاب عمل الهيئة، والذي ساهم نتيجة لذلك في تأثر الموظفين أيضا بالخلاف الحاصل بسبب محاولة الأعضاء لاستمالتهم ما أدى إلى إرباك العمل وإحراج الموظفين، وفق التقرير! ولعل العجيب في الموضوع أن اللائحة التنفيذية للقانون التي صدرت نهاية عام 2016 جاءت بناءً على اقتراح مجلس الأمناء، وتركزت فيها الاختصاصات التنفيذية لرئيس الهيئة، إلا أنه وكما يبدو، أن مجلس الأمناء قد «صحوا من النوم» ليدركوا أنهم محرومون من أي صلاحيات تنفيذية ما أدى ذلك إلى «توتر العلاقة بين الرئيس ونائبه من جهة وبقية الأعضاء من جهة أخرى ومحاولة كل فريق إقصاء الآخر...»، وفقا لما جاء في تقرير اللجنة! أما الأعجب من ذلك، فهو تصريح رئيس الهيئة بأن لجنة التحقيق المشكلة لم تطلب أي رد على أي مخالفة مالية وإدارية، وأن ديوان المحاسبة لم يسجل أي مخالفة على الهيئة، إلا أن الثابت في التقرير أن اللجنة رصدت الاتهامات الموجهة من أعضاء مجلس الأمناء حول مخالفات دونت بشأنها ملاحظات من ديوان المحاسبة... فمن نصدق هنا؟ والأعجب من كل هذا وذاك، أن رئيس الهيئة وفي التصريح نفسه، يصر على أن تقرير اللجنة انتهى إلى سلامة موقفه وإدانة بقية الأعضاء، ويبدو أنه لم يقرأ جيداً تقرير اللجنة، الذي جاء فيه أن الرئيس قد اختزل بعض اختصاصات مجلس الأمناء، وأنه أسرف في ندب الموظفين والمستشارين، والأدهى من ذلك أنه كان لا يذكر أسماءهم عندما يطلب منه مجلس الأمناء الكشف الخاص بأسماء كافة العاملين في الهيئة... فيا عجبي على مكافحة الفساد! الشاهد، أنه وبعد الاطلاع على تقرير لجنة التحقيق وعلى تصريح رئيس الهيئة وسجالات نواب مجلس الأمة بهذا الشأن، فإن الحل الوحيد هو إحداث «نفضة» في قانون الهيئة واللائحة التنفيذية وفي رئيسها ونائبه ومجلس الأمناء، وحتى لا نطيل عليك عزيزي القارئ، في كل شيء متعلق بها، هذا إذا ما أردنا فعلاً مكافحة الفساد! Email: boadeeb@yahoo.com