×
محافظة المنطقة الشرقية

الجبير يفتتح أعمال الاجتماع العام لرؤساء البعثات في الخارج

صورة الخبر

"كلّما عظُم الحُبُّ استشعر المُحِبُّ أن أفعاله وأقواله لا تليق بقدر حبيبه. لو عرفت هذا، عرفت لِمَ كان يكثر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الاستغفار!" (وجدان العلي). أتدري شيئاً؟ لم أحزن كثيراً حين أفلتتني كليّة الهندسة وأدركتُ كليّةَ العلوم. لِمَ؟ السبب بسيط: أنا لم أكن أُحبُّ الرياضيات من الأساس، فقط كنت أطمح في تلبية رغبة والديّ التي لم تحدث، على كُلٍّ، لم يتطلبُ الأمرُ كثيراً حتى أُوقن بعد رسوبي الأول في مادة الرياضيات أنّني، وبدون ريب، أكرهُها.. أكرهها بعُمق. ذلك العمق الذي ما لبث أن تبدّت سطحيته حين شاهدتُ فيلماً يروي سيرةَ أحد علماء الرياضيات، كان الرجل مُتفانياً في حُبِّه لها، لا يرى الكون إلا بها ولا يفهمه إلا من خلالها، كان الأمرُ صادماً لي: كيف تُحبّ هذه الشمطاء إلى هذا الحدّ؟! رأيتُ وقتها عالماً آخر من عِشق ما أكره؛ حتى إنّي عشقته لعِشقِه صاحبِه له، وأحببتُ الرياضيات لتفسيرِه لها باستيعاب المُحِبِّ لمحبوبِه، فقط كُنت أحتاج رؤيتها كما رآها، وأفهم روحها بما نطقته في نفسِه، فقط كُنت أحتاج وجهاً نقياً للحقيقة. أنا لا أكرهُ الرياضيات إذاً! لا أحد يمكنه أن يكره الرياضيّات، قد كنت فقط أكره مُعلِّمَها وأخافُ امتحانَها، فأخالُ بُغضَها، لقد كنت أكره الممارسةَ في ثوبِ الفكرة، ولكنّي في حقيقة الأمر لم أكن أحملُ للفكرةِ أي مقت. في إحدى المناقشات سألني أحدُهم: "أنا أُؤمن باللهِ وكل شيء، ولكن لِمَ يتوجّب عليّ فِعل الحلال واجتناب الحرام في كلِّ تفصيلةٍ، حتى تلك اللحظاتِ الفنّيةِ التي أشعر فيها بالتعبير عن ذاتي، ما المانع في أن يكون هذا التعبيرُ مُتحرِّراً من كل شيء؟!" لم أُجِب حينها كما كُنت أُجيب سابقاً، قبل ذاك كانت تشغلني مناقشات الحلال والحرام بشكلٍ ظاهريٍّ وجزئيّ، كنت أندمج في الحديث داخل تفصيلات هذه النزاعات؛ حتى تعلّمت أن الأمور لا تُؤتى من داخلها ما دُمت لا تُتقن تفاصيلها، أو ما دامت تفاصيلها عاجزة عن الإكفاء، وأن ارتقاءً عن جزئيّاتِها إلى حقائقها الكُبرى سيُسهّل عليك الأمرَ ويبلغ بك مبلغاً أرقى بطبيعة الحال. هذا المبلغ هو مبلغ الإحساس الحي، والشعور المُستقِر. شخصياً: فأنا لا أؤمن بأن ثمّة عقلانيةً في الخروج عن التشريع أو مخالفتِه عمداً عن اختيار، ولكنّي شديدُ الاعتقاد في أنّ حالةً عاطفيةً غير ناضجةٍ خلف كل حالاتِ العِناد التي لا يعرف أصحابها أنّهم في عِناد. فأنت لا تُعاند اللهَ في حقيقةِ الأمر، وقد لا يتطرق إلى ذهنِك ذاك وإن كنت غارقاً فيه، ولكنّك تتمرّد على من أوصلوك إليه وأوصلوا إليك وحيَه وأمرَه بطريقةٍ لم تكن الأصحّ، أنت تعاند فِطرتك؛ لأنك عجزت عن معاداة التقاليد. أنت يا صديقي في غالبِ الأمر لا تملك اعتراضاتٍ حقيقية على الأمورِ وتشريعاتِها، ولكنّك تحمل أعباءً عاطفيةً ونفسيةً ضِدّ التقاليد، أو الناس، أو الظروف. أنت لا ترغب في التمرّد على الحلال والحرام بقدر رغبتك في التمرّد على الصورة الذهنية الخاطئة التي لا تعلم أنت أنها خاطئة، أنت فقط تعجز عن تجاوز النزاع بالرأي إلى ما وراءه، فتعجز عن اختراق حاجز الجدل إلى براح الرغبة والإذعان للخالقِ الذي يزرعه الحُب. صديقي الذي تمرّد.. أنا أعلمُ يا عزيزي أنّك ما فعلت ذلك إلا لكونك تطلب الحرية في علاقتِك مع الله بلا وسطاء، أعلمُ أنّهم أعيوك مِن حولِك كثيراً، ولكنّك تنقض منطقك حين تتمرّد على الصحيح؛ لأن الناسَ أوصلوه إليك بطريقٍ خاطئة، أنت تجعلهم وسطاءً بينك وبين اللهِ وقد تمرّدت في الأصل على ذاك! هم يُشوّهون تشريعه بتطبيقاتٍ خاطئة، فتتمرّد على الفكرة وقد قصدت إنكار الممارسة، فتقبل وساطتَهم الخفيّة بإبعادك عن اللهِ، ثم تظن دون أن تدري أنّك تتحرر من هذه الوساطة بتمرّدِك. أنت لا ترى في الغالب حقيقةَ تمرّدِك؛ لأنك قد تُعطى مركزية اهتمامك للواقع لا للوحي، فتضرب مَنطِقَك ضربةً ثانيةً حين تدّعي عدم اكتراثك بالناس، وأن ما يعنيك فقط هو الصواب/ الخطأ المُطلق، ولو أنّك مُحِقٌّ في هذا يا صاحبي لما تمرّدت على نُصحٍ أخطأ إليك السبيل، ولأخذت النُصح لذاتِه ولم تعبأ بخطأ الأسلوب ما دُمت لا تهتم لصاحبِه، ولكنّك من الأساس لم تتمركز حول الفكرة، وإلا لما تعاملت معها بهذا الشكل الطفوليّ حين حُمِلت إليه بشكلٍ مغلوط. صديقي الذي تمرّد.. أنت لم تكن المُخطِئ الأول دائماً، ولكنّك المُتضرّر الأكبر على كلِّ حال، ربّما أصابتك الصدمةُ من أشياء تتعلّق بالدين ولم يُصبك من الدين أي أذى، ربّما اخترتَ الهروبَ من المواجهةِ بأن تتحرّر من كل شيءٍ في الوقت الذي كان يتحتم عليك فيه أن تتحرّر من الممارسات والتصورات الخاطئة للمسألة الدينية، وأن تحمل في قلبِك وعقلِك مسؤولية الوعي والتبصير. ربما كنت طالباً لم يفهم مُعلّمَه الغبيّ، فمزّق كِتابَه، وهجر درسَه، وأعرض عن الامتحان، ولم يُحاول أن يفهم منهجَه يوماً فآثر البُغضَ عن الإدراك، ربما أنت مسكينٌ أخطأه الحبُّ مرةً، وجانبه الاحتواءُ مرّات، وربّما أنت ضحيةٌ لم تقاوم كونها ضحية، وفريسةٌ لم تفعل شيئاً حِيال ذاك. أنت لا تكره الفِكرةَ يا صديقي، ولكنّك تحتاج الحُبَّ الذي تتجاوز به جدليات عقلِك القاصر عن الإحاطة، وتخطو معه نحو قلبِك الذي سيستعصي عليه إغضاب الحبيب، تحتاج الرفق الذي ينزع عنك عنادك، والاحتواء الذي تلين معه صلابتك، تحتاجُ الاهتمام دون الهجر، والاستماع قبل الزجر، تحتاج العطاءَ لتبذل، والصبر لتصل، تحتاج، بجانب إثراء عقلك، إنارةَ قلبِك لتنضج نفسُك وترقى عن العِناد، وتعلم لِمَ كان المعصومُ الذي لا ذنب لديه دائم الاستغفار والإخبات! صديقي.. أنت تحتاج أن تفهم الرياضيّات.. تفهمها كما أُنزِلت، فتسبح خلفها باحثاً عمّن يُفسّرها لك، لا من يزيد طلاسمها عليك، تحتاج أن تتجاوز جدليات العقل الجزئية التي تغفل الكلّيات، أن تعرف قدرَ ما تبحث عنه، فتعلم كيف يكون السبيل، أن تتجاوز كل هذا عبر الحُب الأنيق الذي لا ينشغل بالعقاب والثواب بقدر ما ينشغل برضاء المحبوب، أن تُحبّ اللهَ فتبحث عن رِضاءِه دون الاكتراث بأخطاءِ من وضعتهم الظروف بينك وبينه، وأن تعلم أن السخط الذي لا غاية له لا يهدي إلى شاطئٍ قريب. فيا صديقي الذي تمرّد.. اعلم أنّه كلّما زاد فقدُك اشتدّ انتقادُك، فابحث عن كِفائك واهدأ في قولِك، واخرج من ذاتِك، واعلم أن الاحتياج أنبل من التمرّد، فلا تبغض ما لا تُدرك، ولا تحَتمِ باليأسِ لأن أملاً خاب، وخفِّف حِدّتَك تُزِل وحدتَك. واللهُ أعلم.. فارجُ من اللطيفِ الخبيرِ، ولا تبتعد. حفظك الله.. صديقُك ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.