ظن الإيرانيون، أو لعلهم توهموا، أن ضعف وتخاذل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ناتج من موقف مؤسساتي أمريكي، سيبقى على ما هو عليه حتى وإن تغيّر الرئيس، أو تغير الحزب الحاكم. هذا الوهم تجلى في إجراء إيران تجربة صاروخية جديدة لأحد الصواريخ البالستية الإيرانية المصنعة محليًا، التجربة هذه وجدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استفزازية ووقحة وتختبر مدى جديته، الأمر الذي يستدعي كبح جماح تهورهم, واقتلاع مخالبهم. إيران كقوة عسكرية (نمر من ورق)، فقد ثبت فشلها الذريع في سوريا، وكاد الثوار السوريون أن يهزموهم وحليفهم الأسد شر هزيمة، وأن يقتحموا دمشق رغم أنوفهم، لولا استنجادهم بالروس، الأمر الذي قلب ميزان القوى لصالحهم. وهذا ما يدركه الأمريكيون جيداً؛ غير أن الأسلوب الأفضل في رأي كثير من صانعي القرار الأمريكي، ليس المواجهة العسكرية وإنما الحصار الاقتصادي، والعمل على إنهاك الاقتصاد الإيراني من الداخل. نظام الملالي في إيران يحكمها بالقمع ومصادرة الحريات وكتم أنفاس المعارضين. وكل التقارير الصادرة من الداخل تؤكد أن الأوضاع الاقتصادية تتفاقم، ومعدلات التضخم تتزايد بشكل مستمر، والعملة الإيرانية تفقد كثيراً من قيمتها أمام العملات الصعبة؛ ومثل هذه العوامل إذا اجتمعت، تتحول مع الزمن إلى تذمر وغليان، خاصة إذا تركت أسبابها دونما حلول. وكان نظام الملالي في الماضي يرفض الإذعان لضغوط الغرب بشأن الرقابة وتفتيش منشأته النووية، ومع ازدياد الضغوط الاقتصادية، وخشية من أن تؤدي إلى انفجار الأوضاع، أذعن خانعاً لشروط الغرب رغم أنف الملالي، وسمح بتفتيش منشأته، والتأكد من أنها منشآت ذات أغراض سلمية وغير حربية. وكان دافعه الأول لا قناعة بالسلام، ولكن كي يتخلص من الحصار الاقتصادي الذي أنهكه وبقوة من الداخل. وقد أشار الرئيس دونالد ترامب إلى هذا الموضوع في إحدى تغريداته على تويتر بقوله: إن نظام الملالي كان سينهار لولا أن الرئيس أوباما والخمس دول العظمى أنقذوه بتوقيعهم الاتفاقية النووية. وأنا على يقين أن الملالي لن يُفلتوا هذه المرة إلا إذا تنازلوا عن عربداتهم غير المسؤولة في المنطقة، وتخلوا عن دعمهم للإرهاب والإرهابيين. وهذا يعني عملياً أن يتخلوا عن ميليشياتها الإرهابية في العراق، وعن حزب الله في لبنان، وعملائها مثيري الشغب في البحرين، وأخيراً دعم الحوثيين في اليمن. وليس لدي شك أن إيران سترضخ، مثلما رضخت للتخلي عن أحلامها النووية، وسمحت بتفتيش منشآتها أملاً في رفع الحصار الاقتصادي؛ سوف تضطر صاغرة إلى التخلي عن كل أذرعتها الإرهابية في العراق ولبنان والبحرين واليمن، إذا ما رأت جدية من ترامب في التضييق عليها اقتصادياً؛ ودعك من جعجعات ومزايدات الإعلام الإيراني، فالحقيقة تفرض نفسها في نهاية المطاف، والملالي إذا رأوا الجد يعرفون الطريق المستقيم. أعرف أن كثيرين يختلفون معي، ويُرجحون أن ملالي إيران سيقاومون الضغوط مهما كان الثمن، غير أن من يرصد تاريخ إذعاناتهم منذ أن هزمهم صدام وأذعنوا للسلام، وحتى وقعوا الاتفاقية النووية، يعرف أنهم أجبن من أن يصمدوا وأوضاعهم الاقتصادية تتفاقم مع كل يوم جديد. إلى اللقاء. نقلا عن الجزيرة