أثارت العملية العسكرية الأميركية التي استهدفت قيادات مفترضة لتنظيم «القاعدة» في منطقة يكلا التابعة لمحافظة البيضاء (160 كيلومترا جنوب العاصمة اليمنية صنعاء) ردود فعل يمنية غاضبة لسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، اذ تؤكد مصادر محلية مقتل 6 نساء و9 أطفال، بينهم الطفلة نوار البالغة من العمر ثماني سنوات وهي ابنة القيادي في «القاعدة» أنور العولقي الذي قتل في غارة لطائرة أميركية من دون طيار عام 2011. العملية البرية للقوات الأميركية التي نفذت في اليمن فجر الأحد 29 كانون الثاني (يناير) الماضي، والتي تعد الأولى من نوعها منذ كانون الأول (ديسمبر) 2014، وأسفرت عن سقوط مروحيتين ومقتل جندي أميركي وإصابة 6 آخرين، تعتبر في نظر مصادر حقوقية يمنية «عملية قتل خارج إطار القانون»، وقال الصحافي والناشط الحقوقي محمد الأحمدي لـ «الحياة» إن «تفاصيل هذه العملية ونتائجها، لجهة العدد الكبير من المدنيين الذين سقطوا وطريقة إعدامهم بتلك الطريقة الوحشية تكشف عن إرهاب في مواجهة إرهاب محتمل، بخاصة أن العملية استهدفت أيضاً مدرسة ومسجداً ومركزاً طبياً. وعلى رغم عدم توافر إحصائية نهائية لعدد ضحايا العملية، إلا أن مصادر متطابقة رجحت سقوط نحو 40 قتيلاً، بينهم، وفق المصادر المحلية عبد الرؤوف الذهب الذي تعتبره أميركا أحد قادة التنظيم، وشخص آخر من أفراد أسرته، وسبعة من أسر العامري والعربجي والزوبة ليست لهم علاقة بـ «القاعدة»، إلى جانب النساء والأطفال من هذه الأسر، ولم تستبعد المصادر سقوط عدد من مسلحي التنظيم، بينما أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مقتل 14 من مقاتلي «القاعدة في جزيرة العرب». وأكد زعيم تنظيم «القاعدة» في اليمن قاسم الريمي السبت الماضي في تسجيل صوتي جديد بعنوان «هذا ما وعدنا الله ورسوله»، مقتل المطلوبة السعودية أروى بغدادي، التي قضت في العملية مع نجلها وشقيقها المكنى أبو بكر البغدادي، كما أصيبت زوجته وقتل الجنين الذي في بطنها، إلى جانب شقيق المنشد السابق في التنظيم خولان الصنعاني. وتؤكد المصادر التي تحدثت إلى «الحياة» أن عبدالرؤوف الذهب «كانت له صلات في السابق مع «القاعدة»، ولكنه لم يكن عضواً في التنظيم كما أوضح ذلك في العديد من الفيديوات المسجلة له، بخاصة ان قيادات «القاعدة» لا تجد غضاضة من الإعلان عن نفسها ومواقعها في التنظيم كما هو معروف». وقالت المصادر إن الذهب «كان انخرط في صفوف المقاومة الوطنية ضد الميليشيات الحوثية، وكان بالإمكان تفادي سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا المدنيين، بالقبض عليه خلال زيارته أخيراً محافظة مأرب لمقابلة قادة الجيش الوطني، إن كان متهماً بالقاعدة أو جريمة يعاقب عليها القانون، أو يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين». بيد أن مصادر أمنية يمنية تعتقد أن العملية الأميركية كانت «تستهدف في شكل رئيسي زعيم التنظيم قاسم الريمي»، وقالت المصادر إن الريمي «كان متواجداً في أحد المنازل المجاورة لمنزل الذهب عند بدء الهجوم الأميركي، وأنه تمكن من الانسحاب من المنزل والمنطقة في شكل عام، وبقي عدد من مرافقيه لمواجهة الإنزال الأميركي»، ومن المرجح أنهم قتلوا في العملية. ووفق تأكيدات أميركية، فإن تنفيذ هذه العملية بعد تسعة أيام على تولي دونالد ترامب رئاسة أميركا، تم بالتنسيق مع الميليشيات الحوثية التي تسيطر على غرفة العمليات المعنية بالحرب على الإرهاب في العاصمة صنعاء، والتي تتولى مهمات الجهاز الأمني والاستخباري المتعلق بالحرب على الإرهاب مع الجانب الأميركي، إضافة إلى «الدعم اللوجيستي الذي قدمته الميليشيات للقوات الأميركية، مثل قطع شبكات الاتصالات عن المنطقة قبل ساعات من بدء العملية»، وفق مصادر عسكرية يمنية. وأكدت المصادر العسكرية لـ «الحياة»، أن ميليشيات الحوثي «لعبت دوراً محورياً في هذه العملية، من خلال المعلومات الأمنية التي قدمتها للقوات الأميركية عبر غرفة العمليات الخاصة بمكافحة الإرهاب، وأنها بذلك تسعى لتقديم نفسها للرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، كشريك أساسي في الحرب على الإرهاب، وبالتالي كسب تعاطفه معها ودعمه لمشروعها الانقلابي في اليمن». وقال بيان لتنظيم «القاعدة» إن العملية العسكرية الأميركية تمثل «خدمة مكشوفة بين أميركا والحوثيين، حيث تتكفل أميركا بالقصف الجوي بينما يحاول الحوثيون التقدم البري»، مشيراً إلى أن التنسيق بينهما» تكرر مراراً خلال العامين الماضيين، في رداع ومنطقة مفرق الصعيد بشبوة، ما يدل على النوايا الأميركية المبيتة لخدمة الحوثيين والتمكين لهم على الأرض»، واتهم البيان أميركا بالسعي إلى فرض سيطرة الحوثيين «بعد أن أوقفهم المجاهدون منذ عامين». وأشار زعيم التنظيم قاسم الريمي إلى سقوط «عشرات» الأميركيين بين قتيل وجريح، إضافة إلى إسقاط مروحيتين أميركيتين، واتهم الريمي في التسجيل الذي بثته مؤسسة «الملاحم» الأميركيين باستهداف المدنيين وقتل النساء والأطفال، مناشداً القبائل اليمنية حاشد وبكيل وكندا وحمير، «الوقوف مع قبائل قيفة القرشية، التي صدت الهجوم الأميركي»، متوعداً بأن «اليمن سيكون مقبرة للغزاة، وسيواجه الأميركيون ما واجهوه في أفغانستان والعراق والصومال»، وقال إن ميليشيات الحوثي «ذراع أميركا الجديدة التي تريد أن تضرب الإسلام والمسلمين في اليمن». وكانت الميليشيات الحوثية ومعها القوات الموالية للرئيس السابق علي صالح، سارعت عقب اجتياحها العاصمة اليمنية صنعاء في 21 أيلول (سبتمبر) 2014، إلى إعلان الحرب على تنظيم «القاعدة»، وتقديم نفسها للداخل اليمني والمحيط الخارجي كبديل للدولة في الحرب على الإرهاب، وبأنها الأقدر على ذلك ولديها الرغبة والجدية في القضاء على الخطر الذي يشكله التنظيم. وهدف تحالف (الحوثي - صالح) إلى استثمار شعار الحرب على «القاعدة» للحصول على دعم ومساندة الدول المشاركة في الحرب على الإرهاب، وفي مقدمها أميركا، وتأليب المجتمع الدولي على كل القوى السنية التي تقف في وجه الميليشيات وتقاوم توسعها، وبما يمكنها من مد نفوذها وسيطرتها على أغلب مناطق اليمن. وتشهد محافظة البيضاء منذ أواخر عام 2014 وحتى اليوم، مواجهات عنيفة بين ميليشيات الحوثي وقوات صالح التي تساندها، ومسلحي تنظيم «القاعدة»، ووفق مصادر استخبارية، فإن الحوثيين حصلوا على دعم أميركا التي كانت طائراتها من دون طيار تشن غاراتها على مواقع وتجمعات مسلحي «القاعدة» بالتزامن مع اشتباكاتهم مع الميليشيات على الأرض، إلى جانب تبادل المعلومات الاستخبارية المتعلقة بجهود الحرب على الإرهاب في اليمن بين أجهزة المخابرات الأميركية وغرفة العمليات التي يديرها الحوثيون في صنعاء، وشاركت أميركا في إنشائها وتأهيلها لهذه المهمة. وهو ما مكن المخابرات الأميركية من الوصول إلى العديد من القيادات البارزة في التنظيم، وفي مقدمهم زعيمه ناصر الوحيشي، الذي قتل في غارة لطائرة أميركية من دون طيار في 12 حزيران (يونيو) 2015 في محافظة حضرموت، بعد سلسلة غارات أودت بحياة قيادات مهمة في التنظيم مثل نصر الآنسي، إبراهيم الربيش، حارث النظاري، وغيرهم من القيادات والعناصر التي كانت تمثل ركائز مهمة لـ «القاعدة»، إلى جانب مقتل العشرات وربما المئات من مسلحي التنظيم في المواجهات مع الحوثيين الذين تكبدوا أيضاً خسائر فادحة. وعلى رغم مرور أكثر من عامين على رفع ميليشيات الحوثي والقوات الموالية لصالح شعار الحرب على «القاعدة»، إلا أن التنظيم اليوم بات أكثر قوة، كما أن تمدد الميليشيات وفتحها جبهات جديدة للمواجهات في محافظات (تعز ولحج والضالع وعدن وأبين وشبوة ومأرب والجوف) ذات الغالبية السنية، وفّر لمسلحي «القاعدة» مناخاً مناسباً للانخراط في صفوف المقاومة التي يجمعهم بها هدف واحد وهو قتال الحوثيين. وفي الوقت ذاته أوجد للتنظيم المبرر المنطقي والمقنع، للعمل على استقطاب المزيد من الشباب والمقاتلين إلى صفوفه، كون «القاعدة» يمثل – في غياب أجهزة الدولة التي يثق بها المواطن- الكيان المتوافر لرد الحوثيين في العديد من المناطق، وفي أسوأ الأحوال يحصل مسلحو «القاعدة» على الدعم اللوجستي من أبناء القبائل. كما تمكن «القاعدة» من الحصول على المزيد من الأسلحة التي استولى عليها من بعض المواقع العسكرية التي اقتحمها مسلحوه وبخاصة في محافظة حضرموت، والأسلحة التي تتوافر للمقاومة الشعبية ومن ضمنها مقاتلو «القاعدة»، إلى جانب الحصول على مبالغ كبيرة من الأموال التي استولى عليها أيضاً من مكاتب البريد وبعض البنوك في بعض المحافظات وفي مقدمها حضرموت. ويعد رفع الحوثيين شعار الحرب على «القاعدة»، واتهام كل من يحمل السلاح لمواجهتهم بأنه إرهابي و «داعشي»، أحد العوامل المهمة التي زادت من نسبة التعاطف مع التنظيم. وأكد تقرير حديث لمجموعة الأزمات أن فرع «القاعدة» في اليمن بات «أقوى من أي وقت مضى، مع تصاعد الحرب الأهلية في البلاد وتحولها حرباً إقليمية، وأنه يزدهر في بيئة من انهيار الدولة، وتنامي الطائفية، والتحالفات المتقلبة، والفراغ الأمني ونشوء اقتصاد الحرب»، وقال التقرير إن جهود الحرب على الإرهاب «ستتعرض للخطر إذا اتخذت الدول المهتمة بمحاربة القاعدة، مثل الولايات المتحدة، إجراءات عسكرية تتجاهل السياق المحلي ونجم عنها سقوط ضحايا مدنيين، مثل العملية الأميركية الأخيرة، أو عدم كبح جماح شركائها الذين يتساهلون أو يشجعون نشاطات القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، مشيراً إلى أن «استعداد كتلة (الحوثي- صالح) لوضع الحزب الإسلامي السني، الإصلاح، والانفصاليين الجنوبيين في سلة واحدة مع القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية لا يساعد». وقال التقرير إن «منطق (عدو عدوي صديقي)، مصحوباً بإرث طويل من استخدام السياسيين للجهاديين ضد خصومهم في الصراع على السلطة، سمح للقاعدة بعقد تحالفات ضمنية مع طيف من القوات المعادية للحوثي وصالح».