لا تخافوا أمراض الحياة فمنها تولد الحياة وتتجدد، ومنها تتكاثر الأمنيات وينبعث الأمل، وهي لا تقتل أبدا، لأنها أمراض صديقة، وأفضل حل لها أن نسترخي تماما وندعها تفعل فعلها. العربلمياء المقدم [نُشرفي2017/02/09، العدد: 10538، ص(21)] أشدّ الأمراض ألما وأكثرها قسوة على البشر هي أمراض القلوب، والقلوب تمرض عندما لا نستمع لها أو نستجيب لندائها. يمكن لقلب أن يقتل صاحبه ندما أو حبا أو كراهية أو ألما، يمكن لقلب أن ينشق إلى نصفين فيتسلل الماء إلى داخله وتسكنه الأورام، أورام الروح ونفاياتها. يمكن لقلب أن يسكت عن الحياة وهو مستمر في النبض. يمكن لقلب أن يتجمد، أن يتكسر، أن يموت أو يحترق أو يختنق. كلها أمراض تصيب القلب، وتسمى أيضـا أمراض الحياة. أمراض الحياة خطيرة ومعدية، لأن قلوب البشر في تماس مستمر مع بعضها، ولأن القلوب أقرب إلى بعضها من البشر أنفسهم، وهي الشبكة الداخلية التي تربط بين الناس على اختلاف لغاتهم وأمزجتهم وأعمارهم. عندما تلتقي شخصا مصابا بمرض الحياة تأكد من أنه سينقل إليك المرض، وسيصيبك في مقتل، لأنه يستهدف قلبك مباشرة: العضو الأضعف والأكثر هشاشة فيك. هل يجب أن نحمي أنفسنا من هؤلاء المرضى؟ ليس تماما، لأن مرضى الحياة مثل البكتيريا التي يحتاجها العجين ليختمر وينمو، هم ضروريون من أجل أن نرى الحياة على حقيقتها، ومن أجل أن نتعلمها. ولسبب ما فإن هؤلاء المتضررين هم أفضل من يعلمنا إياها. يمرض البشر عندما لا يستجيبون لقلوبهم ويعاندونها، فتذهب في اتجاه ويذهبون في اتجاه آخر. من يترك حبيبا غصبا عنه يمرض، من يتعلم شيئا لا يريده يمرض، من يعمل في مهنة لا يحبها يمرض، من يأكل بأمر من غيره يمرض، من يتنفس هواء لا يليق به يمرض، ومن يعيش في مدينة لا تشبهه يمرض. من منا سليم ومعافى والحال هذه؟ الجميل في أمراض الحياة أن مقاومتها تعلمنا الحياة، تأخذها منـا في أحيان كثيرة، وتعيـدها إلينا في أنفسنـا، لأن الحياة ليست في ذلك الذي فقدناه أو الذي حصلنا عليه، الحياة، في نهاية الأمر، هي في كل ما أخذنا وما لم نأخذ، ما ربحنا وما خسـرنا، وبالأخص في ما أحببنا وما كرهنا. نكره أن نعاند قلوبنا، فنتعلم أن نحب أنفسنا، أو الجزء المفقود منها، الذي تركناه لدى حبيب غادرنا أو غادرناه، أو مهنـة تمنينـاها، أو بلـد حلمنا به، أو حلم لم نحققه، نحن في كـل ذلك، في المكـان الذي ضمّنا، لكننـا بالأخص في المكـان الذي تمنينا أن يضمنا، مع الشخص الذي معنا، لكننا بالأخص، مع الشخص الذي تمنينا أن نكون معه. في واقعنا، لكننا أيضا في أحلامنا حاضرون ونتنفس، نحن في الألم قبل البهجة، وفي الخسارة قبل الربح. لهذا لا يجب أن نخشى مرضى الحياة ونتفاداهم، فهم كالملح للطعام، ومن دونهم لا نرى أنفسنا، أو نجد الحياة. يمرض بالحياة الأكثر حبا لها، فيهبها قلبه لتعضه، وروحه لتمزقها، وأحلامه لتشتتهـا، يستسلم لها بالكامل مدعيا الموت، ويتركها كالدبة الشرسة تتشمم أطرافه وجلده وأنفاسه، تجره من قدمه وتهزه وتلطخه، وتتقدم وتتأخر، وتركله وترفسه. في النهاية تتركه وتذهب، لتبحث عن جثة حية، أما تلك التي ماتت فهي لا تعنيها. لا تخافوا أمراض الحياة فمنها تولد الحياة وتتجدد، ومنها تتكاثر الأمنيات وينبعث الأمل، وهي لا تقتل أبدا، لأنها أمراض صديقة، وأفضل حل لها أن نسترخي تماما وندعها تفعل فعلها. كاتبة من تونس مقيمة في هولندا لمياء المقدم :: مقالات أخرى لـ لمياء المقدم أمراض الحياة , 2017/02/09 هل أستطيع أن أبكي لديك, 2017/02/02 سأشتكيك لـسي الحبيب , 2017/01/26 التصادم بين المرأة والرجل ضروري , 2017/01/19 دعوة صريحة للخطأ , 2017/01/12 أرشيف الكاتب