أكد الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أن غالب صراعات الدول «سياسيا»، وتصادمَ الشعوب «ثقافيًا»، يعود لتنافُر فكريّ، يفتقدُ أبسطَ متطلبات المنطق السليم، ومهاراتِ التواصل الحكيم. وأضاف العيسى الذي كان يتحدث كضيف شرف ومتحدثٍ رئيسٍ في «أسبوع الأمم المتحدة للوئام بين الأديان والثقافات» في العاصمة النمساوية فيينا أن الإسلام الداعي للتعايش، والسلام والمحبة، والعطف والرحمة، لكافة بني الإنسان، جاء ليقرر أنه لا إكراه في اعتناق القناعات، وأنه يجب المساواة في الحقوق والواجبات، مع الجميع بغض النظر عن أديانهم، أو مذاهبهم، أو أفكارهم، أو أجناسهم، وأنه لا مجال للإخلال بهذه القيم العادلة تحت أي ذريعة، لافتًا النظر إلى أننا عندما نقول هذا نستذكر بألمٍ شديد، أن الأديان البريئة، كانت أمام تاريخ طويل من الاختطاف، والانتحال، قام به متطرفون أشرار، ينشطون من وقتٍ لآخرَ، مستغلين أيضًا من حين لآخرَ دينًا من الأديان، أو مذهبًا من المذاهب. وزاد أمين رابطة العالم الإسلامي: «إننا عندما نستعرض التاريخ الإنساني، نقف على تلك الفصول المؤلمة، التي استخدِمَتْ فيها كافة الأديان كورقة لتمرير الأهداف، والأجندات، بعيدًا عن القيم والأخلاق، ونُبل الرسالة الربانية، وعندما يتحدث زمنٌ معين، عن تطرف ديني، محسوب - بخطأ فادح -، على دين معين، فإنما يَسْرُدُ هذا الزمنُ، مشهدًا تاريخيًا، في سلسلة وقائعَ مؤسفة، شمِلَت الجميعَ دون استثناء». وأشار إلى أن هذا التطرف العابر، في أي دين من الأديان، له أسبابه المرحلية، التي تجعل هذا التطرف، أو ذلك التطرف، هو السائدَ في زمن بعينه، ولذا جاءت نصوصٌ كثيرة في الإسلام، تُحذِّر بشدة من تبعات التشدد الديني، وقد تعايش نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، مع جميع الأديان، ولم يواجه إلا المعتدين على حريات الناس، في اختيار الدين، وأولئك الذي أشاعوا الظلم، والاضطهاد، والفوضى. وأفاد بأن الإسلام أجاز التصاهُرَ العائلي بالزواج من الديانات السماوية في آية قرآنية واضحة، ليؤكد هذا التشريع مستوى الانفتاح والتعايُش، ومستوى إتاحة المجال لحُرية اعتناق الدين، دون إكراه أو إملاء. وأكد في كلمته أنه لم يَنْتَشِرْ عبر التاريخ الإسلامي إلا صحيحُ الإسلام، مبينًا أن التطرف الديني، ظل في كهوفه محاربا محاصرا يَذكره التاريخُ في فصوله المظلمة من حينٍ لآخر، مثلما يَذْكر حالاتِ التطرف في جميع الأديان، فلا يُوْجَد دينٌ في أصله متطرفٌ، كما لا يُوجَدُ دين يخلو من التطرف، ولا شك أن الدين جزء مهم، من ركائز الحل والسلم، في أي قضية تمَسُّ الشعوب. واعتبر العيسى أن هذا اللقاء الروحي والثقافي، في بُعده الإنساني، خطوة نحو ترسيخ المزيد من قيم التعايُش والتعاون؛ لخدمة الإنسانية، والإسهام في معالجة الكثير من صِرَاعاتها العبثية، مضيفًا أن هذا اللقاء يعبر عن حكمة الخالق العظيم، في التنوع الديني، من خلال ديانات هي اليومَ أكثرُ محبة وتعايُشًا وتعاونًا، وتَعكس من خلال نُخبها الدينية، القيمَ السامية، في احترام التنوع والاختلاف والتعددية، التي هي من سنن الخالق العظيم، وتقديره الحكيم، وهو سبحانه القادر على كل شيء، نقول هذا لترتاح الضمائر الحائرة من هذا الاختلاف الكوني الذي يجب أن نُسَلّم به جميعًا، ونتفاهمَ ونتعاونَ من خلاله. ونوه أمين رابطة العالم الإسلامي بدور منظمة الأمم المتحدة، والمنظماتِ الدولية الأخرى، في تعزيز قيم الحوار، والتواصُل، بين أتباع الأديان، والثقافات، والمهام الكبيرة التي يقوم بها مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، مؤكدًا أن هذه المؤسساتُ العالمية تكسبنا مزيدًا من التعارُف والتعاوُن والاحترام والإثراء المتبادل. وأكد العيسى أننا بالوعي والمحبة سنَهزم التخلف والتطرف، والتعصبَ والكراهية والعنف، وننشرُ التسامح، ونحققُّ المحبة والتلاحم والتعاون، ليعيشَ الجميع في سلم ووئام، وندركَ بالحقيقة الظاهرة أن الأديانَ بريئة من هذه النزاعات والصراعات، حيث يشهد على هذا ما نراه داخلَ الدينِ الواحدِ، من تنافُر وصدام، كثيرًا ما كان المُحَرّضُ عليه نزعة عرقية، أو جغرافية، أو عصبية مجردة، نحو سياسة، أو أشخاص، أو تراث، أو فكر، أو اجتهاد، أو ميولٍ لمدرسة معينة، ليمتد هذا على أوسعَ منه وأشدَّ، عندما يتعلق الأمر بين دين وآخر، كل هذا يؤكد أنها في أصلها بريئة من هذا العبث الإنساني، البعيدِ كل البعد عن تقرير القناعة بالصواب، نحو اعتناق الدين، أو اتباعِ المذهب. وزاد العيسى أنه في ذات السياق يجب أن نستدعي المنطقَ السليم والعادل، بأن كثيرًا من الوقائع التاريخية، والآراءِ الدينية والسياسية والاجتماعية السلبية، التي تَستخدم الدينَ أداةً على امتداد تاريخنا الإنساني، لا تُعبّر مطلقًا عن حقيقة الدين الذي تنتسب إليه، أو تَنسب أفعالها له، لافتًا النظر إلى أنه لا توجد صفة اعتبارية أُسيء إليها بانتحال شخصيتها، مثلما أسيء للدين، وعندما لا يعي الآخرون هذه الحقيقة، ولا يتنبهون لها، أو يغالطون فيها، فإنهم حتمًا سيكونون في عداد من أسهم وروج لتزوير الواقع.