بعض المهن إذا لم تمارس "تُفقد".. ولا يتعالى أحدٌ على مهنة أحبَها وتعلمها ومارسها بحب مهما علت به المناصب. الطبيب لا يتخلى عن مزاولة "المهنة" حتى لو تولى إدارةً أو كان أكاديمياً بالجامعة؛ لأنها "مهنته" الحقيقية بينما الإدارة والعمل الأكاديمي طارئ، ولكي لا يفقد "رخصة المهنة"، ولأنه يؤمن بأن "الطب" ممارسة وتجربة ينتج عنها "علم".. هل تعرفون أكاديمياً يُدرس الطب وهو لم يمارسه؟! الصحافة كذلك مهنة تفقدها حساسيتك بها وتتخلى عنك أدواتها إن لم تمارسها وتعاشرها يومياً.. الصحفي يبقى "صحفياً" سواءً كان "أكاديمياً" بممارسة العمل الصحفي، فيتعايش معها ويتابع تطوراتها، وإلا سيكون أكاديميا فقط، والمذيع سيبقى صحفياً حين ينزل إلى الميدان ليرصد ويعد التقارير ويحاور ويقوم بتغطية الأحداث، وهم كثر منهم في قناة العربية "محمد الطميحي، وعادل عيدان، وربما مكتبي"، وإلا سيتحول إلى مذيع فقط. أستاذنا القدير جمال خاشقجي قال خلال استضافته في ملتقى "هاشتاق السعودية" قبل فترة: "مستوى الصحافة السعودية يشهد ارتفاعاً من خلال مساحة الحرية، لكن المناهج والكتب التي تُدرّس في كليات الإعلام بالجامعات السعودية لم تتغير رغم اختلاف الإعلام اليوم عما كان عليه قبل 30 عاماً". وأتمنى أن يتقمص عمداء كليات الإعلام عندنا شخصية خاشقجي الذي يقول: "لو كنت عميداً لكلية الإعلام لجمعت الأساتذة وقلت لهم: كتبكم قديمة، وأفكاركم قديمة، ألقوها بعيداً وابدؤوا بالتجريب، فطلاب الإعلام يدرسون مناهج تم تأليفها في ثمانينات القرن الماضي". فإذا رغب الأكاديميون بالراحة في القاعات الدراسية ولم يرغبوا صخب الصحافة، فلماذا لا تستفيد كليات الإعلام من الصحفيين الكبار فتقدمهم لطلابها ليس كـ"أكاديميين" بل كـ"صحفيين" فيستفيد الطلاب منهم في قاعاتهم، وتستفيد الصحف من طلاب الإعلام باستقطابهم للعمل فيها؛ لنكسب "العلم والتجربة" معاً في إنتاج الصحفيين. كانت تصدر في الجامعات صحف أسبوعية تصنع أجيالاً صحفية مبدعة وتكشف الجامعة للمجتمع، اليوم نرى "كثيرا" من الجامعات تصدر "منشورات" وليس صحفا، كثير من طلابها لا يعلمون عنها..! (بين قوسين) حين يُفصل "الصحفي" لا يفقد مهنته بل يفقد الوظيفة، ويفقد "المهنة" حين يتخلى عن ممارستها حتى لو كان موظفاً.