قرأت خبراً خلال الأيام القريبة الماضية عبارة عن مقطع فيديو نشر عبر «التويتر» حول مدرسة ابتدائية حكومية للبنات بمدينة جدة فيما يبدو كُسرت ماسورة التصريف فيها فشكلت حولها بحيرة، وهي بحد ذاتها تمثل خطورة إضافة إلى وجود «كيابل» كهربائية مجاورة تغمرها المياه، مقطع الفيديو تضمن صوتاً يعلق متسائلاً عن تصريف مياه السيول ما الذي تم بشأنه؟! هذا الخبر ذكرني بمدرستي الثانوية في الرياض/ حي شمال المربع التي لا يزال عالقاً برأسي منها أجمل الذكريات. حين تهطل علينا قطرات مطر نادرة تتشكل بحيرة حول المدرسة حيث لا يوجد تصريف للمياه، يومها كنت أسير مشياً على الأقدام ما بين المنزل والمدرسة بعباءتي التي تستر جزءاً كبيراً من ذلك «المريول الرمادي اللون» الذي كان زياً رسمياً معتمداً لتلك المرحلة، ورغم صعوبة العبور لكنني لم أكن أفكر في هذا الأمر باعتباره مشكلة اجتماعية تختص بتخطيط المدينة وتلامس الصحة والسلامة والبيئة لا بد من التفكير والمناداة بحلها لكنني كنت أتأمل البحيرة وأستعيد بذاكرتي (بحر حبك غدى بي وانتحى بي/ ولا فزعة ولا ديرة قريبة / تعذبني ولا تدري بعذابي... إلخ!) وهي أغنية من أداء محمد عبده كانت في أوج انتشارها في ذلك الوقت، هذا الموقف يشير إلى أمرين: أولهما: اختلاف تفكير الإنسان خلال مراحل حياته، كلما كان أكثر نضجاً كلما كان أكثر عمقاً وشمولية في تفكيره. ثانياً: أن مشكلة تصريف مياه السيول تعتبر قضية أزلية مزمنة شاملة لكافة مناطق مملكتنا الحبيبة. *** ** لدي هاجس قوي لم أستطع الخلاص منه بسهولة حتى الآن وهو أنه كلما تقدمت السنين بالمجتمعات كلما ازدادت وعياً وتحضراً بفضل تقدم التكنولوجيا والتعليم والثقافة إضافة إلى تعداد قنواتها ومواردها ولأنها أصبحت في متناول الجميع، لكن للأسف تصادفني مشاهدات يومية تؤكد لي خطأ ذلك الهاجس وأنني أبدو حالمة أو ربما بالغت في تفاؤلي في هذا الزمن يحزنني الكثير من الاكتشافات والملاحظات أذكر منها اثنتين هنا: أولها: تراجع القراءة واستبداد ثقافة الصوت والصورة حيث أصبح لدينا جيل يعتمد على معلومات سطحية مجتزأة، مختزلة تقدم له بصورة خاطفة وتريحه من عناء البحث والقراءة وقد ساهم في ذلك انتشار وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك، التويتر، السناب شات)؟ ثانياً: لدى البعض إنجاب الأطفال يبدو شبيهاً بنوبة سعال أو زكام تمر مرور الكرام، تبارك الرحمن ذو الجلال والإكرام.. مثل هؤلاء لا يعلمون بأن الأمر الأهم هو التربية والعناية بهذا الطفل وليس مجرد الدفع به إلى هذا العالم وليكن ما يكون.