اكتشف باحثون أن الشعور بخوف الآخرين يبدّل طريقة تدفق المعلومات في الدماغ، وهو اكتشاف يساهم في توضيح بعض خصائص اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة. يشير باحثون من معهد فرجينيا للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية إلى أن مشاهدة تجربة عاطفية سلبية تترك أثراً في الدماغ، ما يجعلنا أكثر ضعفاً. يذكر الدكتور أليكسي موروزوف، بروفسور مساعد في معهد كارليون للبحوث وأبرز معدّ في هذه الدراسة: «صحيح أن التجارب الصادمة لا تسبب ألماً جسدياً، إلا أنها تشكّل عامل خطر في الاضطرابات العقلية». نُشرت الدراسة مسبقاً في موقع مجلة Neuropsychopharmacology على شبكة الإنترنت، وتبيّن أن اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة يُعتبر أحد اضطرابات القلق التي تظهر في بعض الحالات بعد اختبار حدث صادم، أو مخيف، أو خطير، وفق المعهد الوطني للصحة العقلية في الولايات المتحدة. صحيح أن معظم مَن يعيشون حوادث خطيرة لا يطوّرون هذا الاضطراب، إلا أن نحو سبعة إلى ثمانية من كل مئة شخص يعانون اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة في مرحلة ما من حياتهم، وفق المركز الوطني لاضطراب إجهاد ما بعد الصدمة التابع لدائرة شؤون قدامى الحرب الأميركية. «لا يقتصر اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة على ضحايا المرض، أو الإصابة، أو الاعتداءات الإرهابية، بل يصيب أيضاً أحباءهم، ومَن يتولون رعايتهم، وأحياناً مَن يشاهدون ما يحدث معهم: أناس يراقبون معاناتهم أو يطلعون عليها»، وفق موروزوف. يتابع موضحاً أن الحدث الصادم بحد ذاته لا يؤدي إلى اضطراب، إلا أنه يعزّز احتمال الإصابة به. ويقول: «تشير الأدلة إلى أن الأولاد الذين شاهدوا التغطية الإعلامية لاعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية يُعتبرون أكثر عرضة للإصابة باضطراب إجهاد ما بعد الصدمة في مرحلة لاحقة من حياتهم عندما يتعرضون لمشقة أخرى». علاوة على ذلك، يشير تقييم أعده معهد راند عام 2008 لعدد من الدراسات عن اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة والكآبة بين جنود نشروا في مناطق نزاع إلى أن مَن سمعوا بحادثة خطيرة (مثل تبادل لإطلاق النار) كانوا معرضين للإصابة بهذا الاضطراب بقدر مَن اختبروا شخصياً تلك التجربة. ذكريات أقوى في دراسات سابقة، اكتشف كل من موروزوف والدكتور واتارو إيتو، بروفسور مساعد وباحث في معهد كارليون للبحوث التابع لمعهد فرجينيا للتكنولوجيا، أن القوارض التي تلاحظ الإجهاد لدى نظرائها، إلا أنها لا تعانيه بنفسها، تكوّن الذكريات أقوى من المعدل الطبيعي عن تجاربها المخيفة الخاصة، علماً بأن هذا السلوك يتلاءم مع ما يمر به أناس يعانون إجهاد ما بعد الصدمة. استناداً إلى هذه الاكتشافات، قرّر الباحثون التحقق مما إذا كان جزء الدماغ المسؤول عن التركيز في حالة الآخرين العقلية وفهمها، أي القشرة الجبهية الأمامية، يتبدل فعلياً بعد مشاهدة خوف الآخرين. لتحقيق هذه الغاية، قاس الدكتور لي ليو، باحث يتابع دراساته ما بعد الدكتوراه في المختبر، عملية الانتقال في الوصلات العصبية الكابحة التي تضبط قوة الإشارات التي تبلغ القشرة الجبهية الأمامية منطلقةً من أجزاء أخرى من دماغ فئران شهدت حدثاً مجهداً عانته فأرة أخرى. يذكر موروزوف: «تشير قياسات ليو إلى أن مراقبة الخوف تعيد فعلياً توزيع تدفق المعلومات. وتعود عملية إعادة التوزيع هذه إلى الإجهاد، لا المراقَبة فحسب، بل الأمور المتناقلة أيضاً من خلال الإشارات الاجتماعية، مثل لغة الجسم، والصوت، والرائحة». يؤكد موروزوف أن هذا التبدل يعزّز على ما يبدو عملية تواصل أوسع عبر الوصلات العصبية في الطبقات الخلوية العميقة في القشرة المخية، مع أن هذه العملية تتراجع في الطبقات السطحية. لا يعرف العلماء ما التبدلات التي تطرأ على الدارات بالتحديد، إلا أنهم واثقون من أنها تتبدل. يختم الباحث: «هذه الخطوة التالية. عندما نفهم آلية هذا التغيير في دماغ إنسان يعاني تجارب مماثلة، نتوصل على الأرجح إلى إدراك كيفية تطوّر اضطراب مثل اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة».