هدد المغرب بإعادة فتح أبواب الهجرة غير المنتظمة إلى إسبانيا وجنوب أوروبا بصفة عامة، والتي سبق وأن شرع في إغلاقها تدريجياً منذ تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2003، في حالة عدم الالتزام بكل مضامين الاتفاق الزراعي الذي وقع في سنة 2012. وأصدرت الرباط الاثنين 6 فبراير/شباط 2017 بياناً تحذيرياً أشارت فيه إلى أن هذا القرار القاضي بفتح أبواب الهجرة غير المنتظمة من شأنه أن يلزم الاتحاد الأوروبي بأن يفي بوعوده المتعلقة بالاتفاق الزراعي، وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار الحكم الصادر عن محكمة العدل في لوكسمبورغ في 21 كانون الأول/ديسمبر الماضي، الذي يقول إن الاتفاق لا يشمل أراضي الصحراء الغربية المتنازع عليها. وقال البيان إن على الاتحاد الأوروبي، في حالة عدم وفائه بالاتفاق، "أن يتحمل مسؤولية العواقب الاقتصادية وحركة الهجرة الفوضوية التي ستترتب عن ذلك". والجدير بالذكر أن الحكم الصادر عن محكمة العدل في لوكسمبورغ قد قضى بأن الاتفاق الزراعي ليس قابلاً للتطبيق على الصحراء الغربية "لأنها ليست جزءاً من المغرب". وفي هذا الصدد أشار نائب وزير الخارجية المغربي المنتدب ناصر بوريطة، وفق صحيفة الإسبانية، إلى أنه "من غير الممكن تحديد مستقبل الصحراء على يد قاضي المحكمة". وفي الأثناء، ونظراً لعدم وضوح مدى التزام السلطات الإسبانية والأوروبية بهذا الاتفاق، ظهرت العديد من التساؤلات من الجانب المغربي، حيث أفاد وزير الزراعة المغربي، عزيز أخنوش، في مقابلة أجراها مع وكالة الأنباء الإسبانية "إي أف إي" متسائلاً: "كيف يريد الأوروبيون أن تعمل الرباط على عرقلة حركة الهجرة الإفريقية والمغاربية، إذا كانت أوروبا نفسها لا ترغب في العمل معنا اليوم؟". وأضاف أخنوش، الذي يعتبر من المقربين للملك محمد السادس، "لماذا قد نواصل تأمين عدد كبير من رجال الشرطة المغاربة لحماية الحدود ومنع المهاجرين من الدخول لإسبانيا وتوفير مواطن الشغل للمهاجرين الأفريقيين المستقرين في المغرب؟". وأردف أخنوش أن "مشكلة الهجرة مكلفة جداً بالنسبة للمغرب، لذلك ينبغي على أوروبا أن تقدر قيمة جهود المغرب الحقيقية، ونحن في انتظار إشارة سياسية تعترف بدور المغرب وإنجازاته الاستثنائية التي حققها على الحدود الجنوبية". وتجدر الإشارة إلى أن المبادرة التي انطلقت في تنفيذها المغرب منذ حوالي 14 سنة، قد ساهمت في تقليص عدد المهاجرين غير الشرعيين، ففي السنة الماضية، سُجل دخول حوالي 9634 مهاجراً بشكل غير منتظم عن طريق البحر أو عن طريق سبتة ومليلية، وهو رقم منخفض جداً مقارنة بالسنوات التي قبلها. توقيف الهجرة وقد اعتمد المغرب أساليب ناجعة، ليتمكن في نهاية المطاف من منع وصول المهاجرين إلى إسبانيا عن طريق سواحله أو مدينتي سبتة ومليلية، اللتين يعتبرها المغرب من أراضيه التي تحتلها الجارة الشمالية. في المقابل، وبين يومي 11 و12 أغسطس/آب 2014 ، وفي غضون 36 ساعة فقط، وصل إلى السواحل الأندلسية ومدينتي سبتة ومليلية حوالي 1200 مهاجر، ويعتبر رقماً قياسياً وفي وقت وجيز. وخلال استجواب الشرطة لبعض المهاجرين الذين وصلوا إلى التراب الإسباني في تلك الفترة، تبين أنهم استغلوا الغياب غير المتوقع للمراقبة المغربية، ليعبروا مضيق جبل طارق. وقد أعلنت دوائر الشرطة والدبلوماسيين الإسبانيين عن اشتباههم حينها في أن "الاختفاء المفاجئ للدرك والشرطة وقوات مشاة البحرية كان نتيجة لاعتراض الحرس المدني الإسباني ليخت الملك محمد السادس في 7 آب/ أغسطس 2014 في مياه سبتة". وقد أثار هذا التصريح غضب الملك المغربي، مما دفع وزير الداخلية، خورخي فرنانديز دياز، لزيارة تطوان والاعتذار للعاهل المغربي نيابة عن رئيس الحكومة. لا حل آخر وعلى الرغم من التدابير التي أصدرتها محكمة لكسمبورغ في كانون الأول/ديسمبر الماضي التي أطلق عليها المغرب اسم "الحلقة القضائية"، إلا أن الرباط ترى أنه يجب تطبيق الاتفاق الزراعي الذي أبرمته منذ 5 سنوات مع الاتحاد الأوروبي، بالعودة إلى "ما تم التوافق عليه خلال المفاوضات وبالنظر إلى ما ينص عليه الاتفاق" الذي صدر في بيان طويل لوزارة الزراعة المغربية. علاوة على ذلك، يقتضي تطبيق هذا الاتفاق أن تتواصل نشاطات الزراعة في الصحراء الغربية. ولم تلق تصريحات المفوض الأوروبي لشؤون الطاقة، ميغيل أرياس كانيتي، التي أدلى بها الأسبوع الماضي أمام 3 أعضاء من البرلمان الأوروبي، حول الاتفاق المبرم بين كل من المغرب وإسبانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال في 17 من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بشأن تبادل الطاقة المتجددة، استحسان المغرب. وقد أورد كانيتي أن "حالة الصحراء مختلفة ومنفصلة عن المغرب، ويجب أن يطبق القانون الدولي على هذه الأراضي". ورداً على ذلك، أصدرت المملكة المغربية بياناً جاء فيه أن "المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي يجب أن "يتحملا مسؤولية تحييد المحاولات التخريبية للعلاقات الأوروبية المغربية من خلال خطاب واضح ومتماسك". وورد في البيان أيضاً أنه "يجب معاقبة كل الذين يقفون عقبة أمام دخول المنتجات المغربية". وفي حال لم تتصرف السلطات الأوروبية وفقاً لهذه الشروط، فإنه يمكن أن "يؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة على المستوى الاجتماعي الاقتصادي"، حسب ما نص عليه البيان. لكن فيمَ تتمثل هذه العواقب؟ حسب ما يشير إليه البيان، فإن "أي عائق يحول دون تنفيذ الاتفاق الزراعي، فسيكون بمثابة هجوم على الآلاف من الأشخاص العاملين على طرفي مضيق جبل طارق، خاصة في القطاعات الحساسة. بالإضافة إلى أنه من المحتمل الوقوع في خطر ارتفاع نسبة تدفق المهاجرين وتنامي الهجرة من جديد، التي سبق وأن تمكن المغرب من إدارتها واحتوائها بفضل جهوده المتواصلة". ومن ناحية أخرى، هدد المغرب بمقاطعة معاملاته التجارية مع الاتحاد الأوروبي على الرغم من أنها تقدر بحوالي 70 بالمائة، في حال استمرت هذه "التدخلات الضارة" بالعلاقات الثنائية بين الطرفين. وفي هذه الحالة، سيكون البديل بالنسبة للمغرب، وفقاً لما نص عليه البيان، هو "تعزيز العلاقات مع مناطق وبلدان أخرى، وهي أساساً روسيا والصين والهند واليابان ودول الخليج وكذلك جيراننا الأفارقة". ومن الواضح أن المغرب سيستغرق العديد من السنوات حتى يتمكن من تنفيذ مثل هذا التغيير الجذري على مستوى التحالفات التي تربطه بالدول الأخرى. وعموماً، فإن بيان وزارة الزراعة المغربية وتصريحات وزيرها التي تلت إصداره، لا تعني بالضرورة أن المغرب سيفتح الأبواب أمام الآلاف من المهاجرين الأفارقة المحاصرين هناك، والراغبين في العبور نحو الحدود الأوروبية؛ إلا أنها تؤكد على أن العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي ستشهد أزمة جديدة. ومن المتوقع، أن يضاف إلى الحكم الصادر في كانون الأول/ديسمبر الماضي حول الاتفاق الزراعي بين المغرب والاتحاد الأوروبي، في غضون أشهر قليلة، أحكام أخرى حول اتفاقية الصيد البحري الموقعة في سنة 2014 بين بروكسل والرباط. وتجدر الإشارة إلى أن محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي قد باشرت منذ الشهر الماضي النظر في الدعوى التي تقدم بها محامي جبهة البوليساريو في الغرض. "هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة الإسبانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا".