يظل باعة الصحف حلقة الوصل الأخيرة بين القارئ والصحيفة، حيث يتحملون عناء توصيل الجريدة للقارئ على الرصيف وفي الأكشاك، كما يركضون بها في القطارات، بعد أن يتلقفوها بمجرد أن تخرج من المطبعة، ويتم تحميلها في سيارة التوزيع . انهم يمثلون فئة مهمشة ولكنها ضرورية ومهمة في تاريخ الصحافة في مختلف أنحاء العالم فهم الأكثر دراية بمزاج القارئ ويعلمون كيف يسوقون الصحف وكيف يقرأون المانشتات، التي تجذب القارئ سواء الخاصة بالعلاوة أو مشاهير الفن والكرة أو من باب أوتار السياسة وألاعيبها، همهم الأول والأخير أن يوزعوا حصتهم من الصحف وأن يكون المرتجع في أقل درجاته، وأكد عدد كبير منهم أن كبار الكتاب ورؤساء التحرير هم الأكثر جذبا للقارئ التقت «المدينة» عددا من باعة الصحف في قاهرة المعز للتعرف على الصعوبات، التي تعترض مهنتهم، التي أصبحوا فيها خبراء، حيث أشار بعضهم إلى تراجع المبيعات، محملين القنوات الفضائية المسؤولية في ذلك، واصفينها بالمنافس لبضاعتهم، فيما حمل البعض الآخر المسؤولية لبرودة الطقس في الشتاء. وعرفانا بأهمية تلك المهنة، فيجب أن نشير في البداية إلى عم حسن أشهر بائع للصحف في مصر، الذي وافته المنية بعد قصة كفاح كبيرة في ذلك المجال، عاشها مهمشا، حيث كان يجوب سبع قرى على دراجته، ويخرج بعد صلاة الفجر ويعود في الخامسة مساء، بعد أن يصبح جرابه خاويا من أي صحيفة أو مجلة أومطبوعة. ووفقا لأحد المقربين منه فإنه – رحمه الله- كان له أسلوب مشوق، فكان يستخدم ثقافته ومعرفته بكبار الكتاب والمفكرين في بيع الجرائد والكتب، كما كان يعرف تاريخ الكتاب وأصولهم. وعلى الرغم من مغادرة عم حسن للحياة إلا أنه ذكراه لا تزال موجودة في المنطقة، التي كان يعيش فيها، معتبرينه حمل راية التنوير من فوق دراجته للمنطقة، التي كان بها فبات اسمه محفورا في أذهان الأجيال. ذراع واحدة وعلى جنبات شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين التقينا «عم ناصر» 56 عامًا بذراع واحدة، تبدو عليه علامات الإرهاق والتعب، حيث قال: «على الرغم من أن مهنة بيع الصحف متعبة جدًا وتحتاج للوقوف ساعات طويلة فى الشارع، إلا أني سعيد بها». وأضاف أنه كلما زادت سخونة الأحداث زادت المبيعات، مستذكرا جانبا من شبابه، قبل فقدانه ذراعه في حادث تعرض له حينما كان يحمل جرائد، لافتا إلى أنه خلال أحداث 25 يناير من عام 2011م، كانت بعض المؤسسات الخاصة والحزبية والقومية توزع عليهم الصحف مجانًا ويوزعها مجانًا على بعض المارة، محملا تراجع المبيعات إلى الفضائيات. أما يوسف عبدالله، الذي يتخذ من شارع الدقي مقرا له، فألمح إلى أنه يحمل بكالوريوس تجارة، ويعمل فى هذه المهنة منذ 15 عامًا بعد وفاة والده، مؤكدا أنه لا يفرق بين الصحف القومية والمستقلة والحزبية، ويرى أن لكل جريدة قارئًا، مشيرا إلى أن برودة طقس الشتاء تتسبب في تراجع المبيعات. سخونة الأحداث في مكان آخر وفي شارع التحريرعلى رصيف لاظوغلي يقف الشاب أحمد 34 عامًا بجلبابه وسمرته يقطع المسافة أمام فرشته ذهابًا وإيابًا ليجلب الزبائن، مشيرا إلى أنه يمتهن بيع الصحف في نفس المكان منذ 12 عامًا. وأضاف أنه إذا كانت الأحداث ساخنة تزداد المبيعات، لافتا إلى أن معظم القراء حريصون على شراء الجرائد التي يرأس تحريرها كل من ياسر رزق ومجدى الجلاد وعادل حمودة. فيما تجلس أم هاني بائعة الصحف، في العقد الخامس من عمرها، على كرسي من الخشب بميدان السيدة زينب، مفيدة بأنها ورثت مهنة بيع الصحف عن جدها، قائلة:»الشغلانة دي رزقها قليل إنما الحمد لله عايشين». أما ياسر طالب بكلية الهندسة، فبين أنه وأشقاءه يتبادلون فيما بينهم بيع الصحف عبر نظام الورديات، لافتا إلى أن خريطة البيع تحولت في الحاضر عن الماضي، حيث كانت المنافسة في السابق محصورة بين صحف الأخبار والأهرام والجمهورية وروزاليوسف، فيما زاد عددها الآن على 200 صحيفة ما بين يومية وأسبوعية قومية ومستقلة ومعارضة وحزبية، قائلا: «استمتع ببيعي للصحف لأنها تجعلنى على دراية بالأحداث أولا بأول». بينما يقف عبدالهادي سليمان في شارع وزارة الزراعة على فرشة الصحف، وهو في كامل هندامه وأناقته مرتديا الجينز والكاجوال، ويضع على الرصيف حاملًا من الخشب يعلق عليه جميع الصحف ويعتبر هذا العرض جاذبا للسيارات وأعين المارة للحصول على جريدتهم المفضلة. وعلى ناصية شارع مصدق يقف محمد سعيد الليثى طالب بالفرقة الرابعة تجارة عين شمس بجوار فرشة الجرائد كما يسميها، مشيرا إلى أن أمه تنناوب معه البيع وذلك خلال حضوره المحاضرات، لافتا إلى أنه ورث المهنة أبا عن جد. المزيد من الصور :