ما كنت أنوي الكتابة مرة أخرى عن عروس المصائف مدينة الطائف حتى لا أصاب بصداع، إلا أن ما أسمعه في كثير من المناسبات وأقرأه في وسائل الاتصالات مع ما أراه على أرض الواقع لما يثير التساؤل ويدعو للشفقة على مدينة عريقة تتربع على جبل غزوان وتعد من أقدم بقاع الاستيطان في الجزيرة العربية، وأول مدينة سياحية في المملكة حباها الله جمالاً طبيعياً وتنوعاً حضارياً وإرثاً ثقافياً، وهي تسجل تراجعاً مخيفاً وهي بهذا الحجم وبهذه المكانة، ومما زاد من ألمي ما دار في ذلك اللقاء الإعلامي الأخير لمسؤولي أمانة الطائف وكأنه نسخة طبق الأصل من لقاء العام الماضي، والمتكلمون يكررون نفس المشاريع والدراسات ويتحدثون عن نفس الخطط والاستراتيجيات وكأن ما بين اللقاءين يوماً أو يومين. إن المتلقي في زمن التقنيات اليوم يعلم أن النجاح لا يأتي بالأقوال ولا بالتبريرات، وإنما يأتي بتحقيق الإنجازات، والمسؤول الناجح هو الذي يبحث عن الحل لا على الإحالة ولا إلى تشكيل اللجان، كما أن النجاح لا يأتي بضربة حظ، وإنما لكل مجتهد نصيب، والتاريخ لا يرحم، والمواطن لن يصمت وهو يرى كل مصايف المملكة الأخرى تعانق التطوير والتجديد شكلاً ومضموناً. إن شوارع الطائف المهمة لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد، وهي على ضيقها ورداءتها منذ أكثر من خمسة عشر عاماً تغلق معظمها طوال العام للحفر والدفن والزيادة والنقصان، ثم تعود أسوأ مما كانت، وبعد أيام يعاد حفرها وكأنها حقول تجارب لعمالة وافدة مقاولها ومشرفها ومتسلمها واحد، هدر للمال ومضيعة للوقت، أينما تذهب حفريات خطيرة ولوحات عشوائية وكتل خرسانية وطرق مغلقة لتغيير الاتجاه، وأعداد كبيرة لطوابير من السيارات داخل الأحياء تبحث عن مخارج للشوارع الرئيسة، التي في معظمها شوارع هزازة تطالعها من الجانبين عمارات متقدمة وأخرى متأخرة وصيدلية إلى جوارها بنشر ومطعم يلاصقه حلاق وورش مزعجة داخل الأحياء من غير المطاعم الملوثة والحلويات العفنة التي نراها في بعض وسائل الاتصالات، لقد أبدى عدد من المواطنين في صحيفتهم الإلكترونية أن محافظتهم تحقق أرقاماً قياسية في مشاريعها المتعثرة، وذكروا منها طريق الملك عبدالله المحوري، الذي منذ سبع سنوات لم يكتمل، والطريق الدائري وطريق المحمدية المتوقفان من عشر سنوات، وطريق وادي القلت والجامعة الرميدة متوقفان من سنوات، وكذلك مشاريع شارع حسان بن ثابت والتليفزيون وغيرهما التي لم تنفذ، كما لم يبدأ العمل في نفقي الفيصلية والدلال المعتمدين منذ عامين، وميدان المئوية هدم ثلاث مرات، وكذلك المنطقة المركزية، أما متنزه الردف فمنذ ثلاث سنوات وهم يكررون كل عام أنه سيكتمل في صيف هذا العام.. إلخ. إن مدينة الطائف لا تصلح إلا للسياحة والسياحة لا تصلح إلا لها، ولذا فهي تحتاج إلى قليل من الفكر والتخطيط مع قليل من الجهد والمتابعة، لتعود إلى خصوصيتها التي تملك كل مقوماتها الطبيعية والمناخية والتاريخية، نقول ذلك لأنه يقف على هرم هذه الأمانة رجل ذو خلق، ولكن هناك معه بعض من مسؤولي الإدارات المعمرة، التي لا تسعفه، كتلك التي تجبر المواطن والمستثمر على استخدام طرق ملتوية لإنجاز مشروعه، أو تضطره إلى أخذ مسكنات النفس الطويل لشهور، وربما لسنوات، أمام بيروقراطية ثقيلة ومماطلة هزيلة باتت حصرية على هذه المدينة كما يقولون. وإذا سلمنا جدلاً بأن المشكلة ليست في الميزانيات، فأين يكمن الخلل إذا كانت حكومة خادم الحرمين (يحفظه الله) تضخ مبالغ ضخمة كل عام لتوفير مشاريع عملاقة نسمع عنها ولم نرَها على أرض الواقع؟ التي لو نُفذت بدلاً من تغيير الاتجاه وتحويل المسار كما يحدث في شهار هذه الأيام لكانت الطائف المأنوس من أجمل مدن المملكة، بل من أجمل مدن الخليج قاطبة، ولما بقيت عاصمة المصائف العربية مغبونة تشكو كل موسم مطر، وتتساءل كل صيف: هل عند (اللقاء الإعلامي القادم) الخبر اليقين!!؟؟