×
محافظة المنطقة الشرقية

هطول أمطار رعدية بالرياض والشرقية وعسير وجازان

صورة الخبر

عقدت في دولة الكويت، يومي 25 و26 آذار مارس 2014، القمة العربية الخامسة والعشرين، وسط انقسام عربي هو الأشد من نوعه منذ سبعينيات القرن العشرين. إن كافة القضايا الأساسية المثارة اليوم في الساحة العربية هي موضع خلاف معلن أو مستتر. وهذا الخلاف ذو وجه أيديولوجي غالباً، إلا أن جوهره يستبطن خلفيات سياسية غير منطوق بها. إن وحدة العرب هدف خلاق ونبيل، يجب أن يعمل من أجله المخلصون في هذه الأمة، ليكونوا بذلك أوفياء لأولئك النبلاء الأخيار، الذين ضحوا بالغالي والنفيس لأجل غد لا بد وأنه آتٍ وفي حقيقة الأمر، لا يبدو من المنطق في شيء الحديث عن وفاق عربي ما لم تكن هناك مرجعية مجمع عليها، أو لنقل إطار فكري رؤيوي، يشخص التحديات التي تواجه الوطن العربي، وطبيعة العوامل المسببة لها، والسبل الناجعة لمقاربتها سياسياً واجتماعياً، بالدرجة الأولى. وهذه المقاربة، متى وجدت، لا بد وأن تبتعد عن المقولات الجاهزة والأحكام المسبقة، وتتجنب الجموح الأيديولوجي والتسييس المتعمد، وتقرأ الأحداث بنزاهة وموضوعية، وتسمي الأشياء بمسمياتها، دونما لبس أو مواربة. ولكن دعونا نقول بوضوح إن الواقع العربي الراهن لا يبدو قريباً من إنجاز مقاربة على هذا النحو، لكونه يختزن قدراً هائلاً من التعبئة والشحن، والتموضع السياسي، وتهيمن عليه النزعات القُطرية والفئوية، المستغرقة في الذات والأنا. وفي السياق، لا بد من التأكيد على حقيقة مفادها أنه من الوهم الاعتقاد بأن العرب يسيرون نحو وفاقهم، أو وحدتهم القومية، في ظل التناحر السياسي، من خلال إنجاز تعاون اقتصادي هنا، أو تنسيق قطاعي هناك. إن الوطن العربي ليس أوروبا ولا هو جنوب شرق آسيا. إنه وطن واحد تعيش في ربوعه أمة واحدة، تظللها القواسم الدينية والقومية المشتركة. ولذا، لا يُمكن مقاربة مشروعه الوحدوي بذات الأدوات السائدة في تكتلات إقليمية متباينة عرقياً ودينياً، وذات موروث صراعي طويل. إن مقدمات الوحدة العربية هي مقدمات سياسية بالدرجة الأولى. وحسناً أن يكون هناك تعاون زراعي عربي، على سبيل المثال، بيد أن هذا التعاون ليس من شأنه خلق وفاق سياسي عربي، بل يُمكن أن يكون نتيجة طبيعية لهذا الوفاق. والتعاون القطاعي ليس اصطلاحاً رديفاً للتكامل في ذات القطاع، وهذا الأخير لا يُمكن أن يرى النور إلا في مناخ متقدم من الوفاق السياسي. إن سلّم الأولويات هنا يجب أن يكون واضحاً: إصلاح البيت العربي يبدأ بوقف التناحر، والشروع بعد ذلك في المصالحة. وهذه المصالحة يجب أن تستند إلى مبدأ الاعتراف بالآخر، والإقرار بخصوصياته، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية. وهذه القضية تستوجب قدراً عالياً من الشعور بالمسؤولية القومية، والتعالي على المصالح القُطرية والفئوية، وتغليب روح الأخوة على كل ما عداها. والسؤال هو: لماذا يبدو هذا الأمر حاجة ملحة، لا غنى عنها، ولا مجال لترحيلها في أعماق الزمن الآتي؟ الجواب ببساطة، هو: إننا بصدد مشهد اشتباك سياسي حاد داخل البيت العربي، وهذا الاشتباك باتت له مفاعيله الضاغطة نفسياً وثقافياً، وبالضرورة اجتماعياً. وذلك دون الحديث عن إفرازاته وتجلياته الأمنية البادية للعيان. في الأصل، قد يقول قائل إن الاختلاف ظاهرة صحية. وهذا صحيح، لكن الصحيح أيضاً هو أن ما يدور في الساحة العربية اليوم ليس خلافاً في الرؤى، بل استقطاب حاد، عكس نفسه في صورة نزاعات متعددة الأوجه والمستويات، رمت بتداعياتها على المواطن العربي، وأصابته في مقتل. إن العرب يتقاتلون اليوم فيما بينهم، ويتهم بعضهم الآخر بشق الصف وتجاهل الحقوق وهدرها. إن في الوطن العربي حالياً من بات يكفر بما عهده تاريخياً من وشائج الأخوة والشيّم العربية. وذلك منعطف خطير في مسار الأمة، يفوق في خطورته ما اعتدنا تقليدياً على نعته بالتمزق والتشرذم. وأمام هذا الواقع، بدت جامعة الدول العربية عاجزة ومنكفئة، بعيدة عن أداء الرسالة التي وجدت من أجلها، وكانت في بعض سياساتها كمن يصب الزيت على النار. نار الفرقة والتناحر العربي. لم تتوفر لدى هذه الجامعة من إرادة المبادرة وأدوات الفعل ما يؤهلها للم الصف ومداواة الجرح، فاكتفت بإدارة الانقسام والتكيّف مع نتائجه. وغالباً ما كانت طرفاً فيه. والأصل أنها أب لكل العرب، ومظلة لا يستثنى من ظلالها أحد. وبالنسبة للمواطن العربي، فإن جامعة الدول العربية لا ينبغي لها أن تتخلى عن دورها في تأكيد وحدة هذه الأمة، والوقوف مع جميع أبنائها، دونما استنسابية أو استثناء، أو أدلجة مفرطة، أو نزعات فئوية، ناضل العرب عقوداً طوالاً من أجل التخلص منها، وتجاوز تداعياتها على النظام الإقليمي العربي ونسيجه الاجتماعي. إن المطلوب، بالنسبة للمواطن العربي، هو مؤسسة قومية تعبر عن تطلعات العرب، وتؤكد على وحدتهم القومية، غير القابلة للانقسام على اللون السياسي، أو الانتماء القُطري، أو نمط الخيارات الثقافية. مؤسسة تترجم القواسم العليا المشتركة إلى فعل خلاق، يجمع الشمل ويقاوم الفرقة، ويتجه نهائياً إلى حيث التطلعات الكبرى، التي لا تُغيّب في المصالح والحسابات القُطرية، ولا تخضع للمتغيّرات الظرفية العابرة. هذا بالنسبة للمواطن العربي في أقطاره وأقاليمه المختلفة، أما بالنسبة "للنخبة الفكرية" العربية، أو ما اصطلح على تسميتها هكذا، فإنها مسؤولة أمام المجتمع عن حالة التشرذم والضياع الذي آل إليه الوضع العربي. ولسوف يحاسبها التاريخ على غيابها وانعزاليتها، وانغماسها في ذاتها وأنانيتها، وتخليها عن رسالتها ودورها في جمع الأمة ولم شملها. هذه الفئة، المصنفة مجازاً بالنخبة، تبدو للجميع عاجزة ومستسلمة، قابعة في أبراجها العاجية، ولاهية في ترفها الفكري الذي لا يمت للناس بصلة. إننا هنا بصدد أزمة مركبة: مؤسسة قومية قد أصابها الشلل، وطوّقها الشقاق والتناحر السياسي، و"نخبة فكرية" عاجزة ومستسلمة ومنكفئة. وعليه، يبقى الأمل معقوداً على المواطن العربي ذاته. هذا المواطن الذي يكتوي بنار الفرقة والشقاق القومي، وتحاصره تداعيات التشرذم على كل الصعد والمستويات. ولكن، ما الذي يُمكن للمواطن العربي القيام به في هذا الصدد؟ إن المواطن العربي معني بداية بالثقة بذاته القومية، أي بوحدة أمته، وعظمة مكنونها المادي والمعنوي، وعبقرية مجدها وخلوده. وعلى هذا المواطن النظر إلى حالة الوهن الراهنة باعتبارها الاستثناء، لا الأصل في مسار الأمة. وبعد ذلك، لابد من الإيمان بأن مستقبل الأمة تصنعه الأجيال المؤمنة بالتغيير، التي لا مكان في قاموسها للاستسلام للقدر. والتغيير عملية تراكمية، أو لنقل إنه نتاج تراكمي لمسار طويل من الجهد والعمل الدؤوب. وبهذا المعنى، فإن بناء المستقبل العربي المنشود ليس مجرد حلم، أو أنشودة جميلة نتغنى بها. وهو لا يتحقق فجأة، أو بمنطق الطفرة أو المعجزة، بل لا يجوز النظر إليه على هذا النحو، بأي حال من الأحوال. المواطن العربي عليه بداية مواجهة الأغلال الفكرية التي فرضت عليه عنوة، من قبل قوى شعوبية معادية للأمة وتطلعاتها القومية. أولى هذه الأغلال تتمثل في ثقافة التجزئة، التي تسعى لتقسيم المجتمع العربي على أسس جهوية وقبلية ومذهبية. هذه الثقافة، كانت ولا تزال السلاح الأمضى بيد أعداء الأمة، وهي قد مثلت على مدى الزمن التحدي الأكثر مركزية الذي واجه القوى الطليعية الخيرة في سعيها للتأكيد على هويتنا الجامعة. بالأمس، نجح الرواد الأوائل في زرع ثقافة الوحدة، ثقافة التآخي والتعايش. ولأنهم رواد صادقون، جاء نتاج سعيهم مثمراً ويانعاً في المجتمع العربي. نحن العرب، لا نملك اليوم قوى طليعية رائدة، توازي تلك التي كانت لدينا قبل عقود مضت. وعلى الرغم من ذلك، فإن حيثيات العصر ومعطياته قد تغيّرت هي الأخرى. إن قدرة الناس على التواصل، والعبور إلى الحقيقة، أضحت اليوم عاتية وخارقة، ولذا فإن فرص بناء الوعي ومراكمة الثقافة لا تزال متاحة، بل وفائقة. وأولى حقائق الوعي، الذي نحن بصدد التأكيد عليه، تتمثل في كوننا أمة واحدة، غير قابلة للقسمة على القبيلة أو المذهب أو الحيز الجغرافي. وهنا، يجب التنبه إلى المساعي الشريرة الرامية إلى تقسيم المجتمع العربي، وشرذمة أبنائه، وبعثرة طاقاته الخلاقة. نحن العرب، كان قدرنا أن نعيش سوية مسلمين ومسيحيين، بنينا معاً تاريخنا المشترك، وعشنا الأخوة الصادقة، وكان تآخينا نموذجاً يُحتذى. وكما في الإطار القومي العام، كذلك في الحيز الإسلامي، عاش المسلمون أخوة متحابين، لم يجرؤ أحد على تجاوز قاسمهم الديني المشترك، والتعامل معهم مذاهب ومللاً، فقد كان ذلك من المحظورات، التي فرضها المجتمع بقوة وعيه، وعزيمة طليعته الرائدة. ولم يكن ذلك محظوراً اجتماعياً وحسب، بل كان معيباً أيضاً. كان ذلك نتاجاً لوعي متقدم، ودليلاً على رسالية النخبة الطليعية التي قادت المجتمع، وعلى إخلاصها وتفانيها. واليوم، فإن تمسكنا بقواسمنا الحضارية والقومية الجامعة يُمثل المنطلق الذي يُمكننا من خلاله العبور إلى حيث تطلعاتنا الكبرى، في الوحدة والتنمية، وبناء المستقبل العربي المنشود. هذا الذي يُمكننا نحن المواطنين العرب أن نقوم به، ونؤكد عليه نهجاً ومساراً، في ظل واقع عربي مأزوم، يطوّقه الشقاق السياسي، والاحتراب الداخلي، الذي سقطت فيه الخطوط الحمراء كافة. وإذا انتهينا للقول بأن المواطن العربي هو من ينعقد عليه الأمل في بناء مستقبل تُظلله الوحدة والأخوة الجامعة، فإن ذلك لا يعني، بحال من الأحوال، انتفاء مسؤولية النظام الإقليمي العربي، ممثلاً في جامعة الدول العربية، التي لا يجوز لها أن تبقى في حالة الوهن، وغياب الفعل والمبادرة، أو تعتمد خيارات دافعة باتجاه تعميق الانقسام العربي. وفي المنتهى، فإن وحدة العرب هدف خلاق ونبيل، يجب أن يعمل من أجله المخلصون في هذه الأمة، فيكونوا بذلك أوفياء لأولئك النبلاء الأخيار، الذين ضحوا بالغالي والنفيس لأجل غد لا بد وأنه آتٍ.