لماذا امتدت يد الغدر لتغتال شابًّا في مقتبل العمر؟ يسعى إلى كسب رزقه بالطرق الشريفة واضعًا نصب عينيه خدمة وطنه والذود عنه بنفسه وبأغلى ما يملك، لماذا فُجع والداه وهما في لحظات استرخاء سرقوها من الزمن ليتقويا بها على تحمل مسؤوليات ومتاعب الحياة؟ وعادا إلى الوطن في رحلة عذاب امتدت ساعات طويلة، كانت لهما دهرًا تمر عليهما دقائقه كالساعات الطوال. لماذا فُجعت زوجته؟ وهامت على وجهها يراودها الشك من أبشع خبر يمكن أن يخطر على بالها، فهي لم تعرف في زوجها إلا طيبة القلب والنية الصافية والتسامح مع أعدائه قبل معارفه. لماذا يُتّم أطفاله الثلاثة الذين لم يتعد عمر أكبرهم أربع سنوات؟ وحرموا من رعايته وحنانه ومتابعته وهم في بدء نموهم وتدرجهم في مراحل الحياة، وربما يعدهم ليواصلوا رسالته في بذل أنفسهم للدفاع عن الوطن. لماذا فُجعت أخواته؟ وكلٌ منهن تحمل في قلبها قصة دامية لفجيعتها وصدمتها، لا تعرف كيف ترويها. لماذا فُجع أخوه الوحيد؟ وهو يرى أخاه الأصغر المحبوب من الجميع غارقًا في دمائه الزكية برصاص غادر. لماذا فُجع أهله وأقاربه ومعارفه وأصدقاؤه؟ جاؤوا هلعين، يراود كل منهم أمل بأنه خبر كاذب، وإشاعة مروعة سيسامحون من أطلقها فقط لتكذيب ما سمعوه، وليجنبونهم معاناة نقل هذه الجريمة البشعة إلى أسرهم ومحبيه. لماذا هبّ شعب البحرين الوفي -قيادة وشعبًا- للتعزية والمواساة والمناداة بالقصاص؟ لماذا انهالت الاتصالات وجاءت التعازي والمواساة من دول مجلس التعاون لتشاركنا مصابنا الأليم؟ لماذا ردد الجميع كلمة الإعلامية سوسن الشاعر جزاها الله عن الجميع خيرًا (كلنا هشام الحمادي)؟ ولماذا ولماذا ولماذا... مما لا يُعد ولا يحصى من تداعيات قصة اغتياله، قصة الغدر والخيانة. وقبل أن نجيب عن هذه التساؤلات، لا بدَّ أن نطرح تساؤلا آخر: «من اغتال هشام الحمادي؟» وبعيدًا عن أي تحليل أو تفسير وباستخدام أبسط التعبيرات بمنظور كل إنسان يحمل في قلبه ذرة من الرحمة والإنسانية.. هم مجرمون، قتلة، أزهقوا روحًا بريئة. ولن أكرر ما يدركه الناس جميعًا من غدرهم وخيانتهم. لم يغتالوا هشام لأنه ابن فلان أو زوج فلانة، وإنما اغتالوه لأنه رمز للوطن وهم يبغضون كل ما ينتمي إلى الوطن، فهم أعداء الوطن. اغتالوه لأنهم اعتقدوا بنفوسهم المريضة وعقولهم المسلوبة وقلوبهم المملوءة حقدًا وغلاًّ وكراهيةً ومقاييسهم المختلة (فهم يعتبرون المجرمين القتلة شهداء والشهداء وكل حماة الوطن مرتزقة، والقصاص العادل ظلما وجورا، ويجعلون الحق باطلاً والباطل حقًا) وظنوا أنهم منتصرون، وأننا مثلهم نجزع عند المصاب. نعم تألمنا وفجعنا وبكينا، لكننا لم نحزن.. وكيف نحزن ونحن نحسبه شهيدًا -بإذنه تعالى- قتل مغدورًا وفي سبيل الوطن «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون». وكيف نحزن ونحن نؤمن بقضاء الله وقدره ونتدبر آياته ونوقن أنه لو اجتمعت الإنس والجن على أن يضروه لن يضروه إلا بما كتبه الله له، وأن لكل إنسان أجله، إذا حان لن يتقدم أو يتأخر. نؤمن بأن من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، وأن للمظلوم دعوة لا ترد، وأن القصاص العادل لا بد أن يطبق على الظالم من الرحمن العادل الجبار المنتقم، وأنه يمهل ولا يهمل. ونثق في حكومتنا الرشيدة وسعيها الحثيث للقبض على المجرمين القتلة وتنفيذ حكم الشرع فيهم؛ ليكونوا عبرة لمن يعتبر. ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل.