×
محافظة المنطقة الشرقية

«علاقة جديدة» بين الموصليين وبغداد

صورة الخبر

< إذا أردت أن تقيس اتجاهات اهتمامات الناس والمؤشر الاجتماعي والثقافي في أي من المجتمعات، ادخل إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وادخل صفحات الأفراد، وانظر إلى مشاهيرها ومن هم الذين يتابعونهم، وما هي تعليقاتهم، وما هي أنواع المشاركات التي يضعونها، وما أكثر المشاركات التي تلقى رواجاً وتعليقاً، وما هو مقطع الفيديو الذي يلفت انتباههم، وما هي الصور التي تجعلهم يتعاملون معها بسرعة؟ عندها تستطيع أن تتعرف على جانب من حياتهم وأفكارهم وتقيم مستوى ثقافتهم، وما هي المواضيع الحساسة أو الجميلة التي ستجعلهم يثورون أو يسجلون إعجابهم بها؟ في البلدان النامية يتعامل الكثير مع مواقع التواصل الاجتماعي بأسلوب يغلب عليه الانفلات السلوكي، وهو مختلف من بلد إلى آخر بحسب ثقافته وبيئته ومجتمعه، وغياب الشفافية وظهور الفساد في الطبقات العليا وانتشار الفساد في كثير من البلدان يساعد في تبني الإشاعات وتداول معلومات وصور خاطئة، وهذا يحدث في البلدان التي لا يوجد فيها قوانين صارمة ولا جهات تتبنى الأفكار الإيجابية وتشجع المبدعين، وعلى رغم أن عمر مواقع التواصل الاجتماعي حديثاً، إلا أن بعض البلدان سجلت تفوقاً بحضورها اللافت، ففي البلدان العربية تعتبر مواقع التواصل منطلق الإشاعات والأخبار والصور ومقاطع الفيديو الخاطئة وغير الصحيحة، فضلاً عن أنها مصدر لنشر الوثائق والمستندات السرية والمهربة، وبخاصة تلك التي تتعلق بالأفراد، 70 في المئة منها المقصود بها الفضيحة والإساءة، لو تم التعامل معها من الناحية القانونية، لأصبحت المحاكم اليوم معظمها قضايا قذف وشتم في مواقع التواصل. يرى بعضنا أنها ظاهرة صحية وتمنح الحرية وليست هناك قيود لمنع الشخص من أن يقول ما يريد، طبعاً هذا صحيح، إنما في البلدان التي يضبطها القانون، وليس في مجتمعات تحكمها العادات والتقاليد، لهذا من غير المستغرب أن ترى من يبتز بصورة، أو يهدد بنشر وثيقة، وأنواع مختلفة من الطرق والتحايل لنشر ما يريدون. أكثر ما يثير القلق في مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك اندفاعاً شديداً خلف الإشاعات والأخبار غير الصحيحة، وتنطلق بسرعة مقاطع الفيديو للمغفلين والحمقى والصور المفبركة وتكبر مثل كرة الثلج بفضل المتابعين وأصحاب العقول الخفيفة، ولا تنتهي إلى هذا الحد، بل يصل أن بعض القنوات الفضائية تساعد في نشرها باستضافتهم، فهي ترى قياس نجاح أية مشاركة يعتمد على عدد المشاهدات والمتابعين، ولا يخضع للتقويم، لهذا ليس بمستغرب أن تكون إحدى الفقاعات في مواقع التواصل ذات شهرة واسعة. إحدى طرق نشر وترويج الأخبار المغلوطة والتصريحات الخاطئة من دون الاعتماد على مصدر الخبر، وهو ما يلجأ إليه الكثيرون حينما يرغبون في الكتابة (الوسم)، وهي طريقة بدأ بها عدد من مواقع التواصل الاجتماعي لتصنيف الموضوع بما يسهل على الباحثين للوصول إلى المعلومة أو القصة في موضوع ما بالعنوان الذي يتحدثون عنه، وعلى رغم أهمية هذه الطريقة في سرعة الوصول للمعلومة، إلا أن كثيرين يتخذون من هذه الطريقة أسلوباًَ لترويج إشاعة أو تشويه تصريح، وحتى يقضى على مثل هذه التشوهات في مواقع التواصل، من المهم أن تتبنى مؤسسات المجتمع المدني وغيرها من المؤسسات الأخرى، إلى جانب تسنين التشريعات والأنظمة والقوانين، برامج محفزة وفعاليات وجوائز مشجعة للأشخاص الذين يسهمون في كيفية استخدام هذه المواقع بما يخدم المجتمع، سواء صفحات أم مواقع أم حتى حسابات، وتشجيع الإبداع. «يوتيوب» أطلقت برنامج المبدعين، ودبي أطلقت قبل عامين ملتقى رواد التواصل الاجتماعي العربي، وهي إحدى المبادرات المهمة في الوطن العربي لتحسين المحتوى العربي وتنقيته من الكثير من السلبيات، وهناك محاولات ضعيفة في البلدان العربية للتوعية وتشجيع المبدعين. وفق إحصاءات، تصدرت السعودية دول العالم في نسبة المستخدمين النشطين لموقع «تويتر» نسبة إلى إجمالي عدد مستخدمي الإنترنت بشكل عام، إذ حصلت على نسبة 41 في المئة، وتفوقت السعودية وفق الدراسة التي أجراها قسم الإحصاءات في موقع «بيزنس إنسايدر» على دول، مثل الولايات المتحدة، التي بلغت نسبة مستخدمي «تويتر» فيها 23 في المئة من مستخدمي الإنترنت، والصين التي بلغت النسبة فيها نحو 19 في المئة، وعلى الصعيد العربي جاءت الإمارات في المرتبة الثانية من حيث عدد المغردين النشطين في «تويتر» بنسبة 27 في المئة من مستخدمي الإنترنت في الدولة. أدبيات التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن نبادر ونحولها في بلداننا إلى مادة تدرس في المراحل الدراسية الأولية، حتى نحمي مجتمعنا من مخاطر تستهدف حماية أجيالنا، وذلك بالاستخدام الأمثل والآمن، وتحفزهم للتعامل معها بما يعود عليهم بالنفع والفائدة، فكثير من الشباب - حتى الرجال البالغين - يقعون في فخ من الذين يصورون فيديو في صور خليعة أو يبتزونهم، والبعض منهم يقع تحت الابتزاز المادي، ولا يمكن أن ننكر أننا في عصر الهاتف الذكي، فمن بين 66 في المئة من سكان العالم يملكون هواتف نقالة، منهم 34 في المئة يستخدمون أجهزتهم للتواصل الاجتماعي، وبخاصة أن كثيراً من الدول شرعت قوانين وأنظمة وسنت عقوبات رادعة ومبالغ باهظة، إذ إن العقوبة في السعودية تصل إلى 10 سنوات سجن وغرامة مالية تبلغ 5 ملايين ريال، والحال نفسها في الإمارات عقوبات مشددة وغليظة لسوء استخدام الإنترنت. الاهتمام بتثقيف المجتمع في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مطلب مهم ولا نكتفي بالمبادرات، فالتعليم واعتباره مادة مهمة سيحمي أجيالنا من أية كارثة أو خداع، ويخلق جيلاً يعرف كيف يستفيد منها في حياته وعمله وإبداعه وابتكاراته، وكيف يجني المال ويتخاطب مع العالم بلغة راقية وحضارية، أما إذا تركناه هكذا كما يقول أهل مكة «يلقط الكبيبة من فم القدر» سنرى شبابنا، لا سمح الله، معظمهم خريجي سجون.     * صحافي وكاتب اقتصادي. jbanoon@