هل كان الإجراء الروسي بضم شبه جزيرة القرم متسرّعاً؟ سؤال ترفضه غالبية الروس التي ترى ان عدم تنظيم الاستفتاء الذي ادخل القرم طوعاً تحت عباءة بلدهم، كان سيحتم أن «تحارب موسكو من أجله». لا يُخفي مقربون من الكرملين أن القرار النهائي بضم القرم اتُّخِذ خلال أيام قليلة، ولم يخطر في بال القيادة الروسية قبل شهر واحد من تدهور الأزمة، لكن ما الذي دفع روسيا إلى «تحدي» العالم، وخوض مواجهة ما زالت تداعياتها تتراكم؟ يدفع محللون روس جانباً بنظرية «رد الفعل الانفعالي» على تطورات الوضع في أوكرانيا، ويفضلون استخدام تعبير «التقاط اللحظة التاريخية». والأمر لا ينحصر في مسألة وجود أسطول البحر الأسود الروسي في المنطقة منذ تأسيــــسه عام 1783 على يد الإمــبراطورة كاتيرينا الثانية، ما يعني أن موسكو لم تكن تستطيع التـــسليم بخــسارة موقع نفوذ استراتيجي حاربت من اجله طويلاً. وقد تكون ابلغ عبارة تعكس فهم روسيا تطورات أزمة أوكزانية تلك التي قالها الرئيس فلاديمير بوتين في خطابه أمام المشرّعين الروس: هل كان علينا أن ننتظر لنأخذ الإذن من جنود الحلف الأطلسي لزيارة قاعدتنا العسكرية في سيفاستوبول؟ الجواب: ليأتوا هم لزيارتنا على أرضنا! إذن خافت روسيا من ذهاب القيادة الأوكرانية الجديدة نحو قطيعة كاملة تنهي وجودها في منطقة حيوية، وتكسر أحد ركائز قدراتها البحرية إلى جانب أساطيل بحر قزوين وبحر الشمال وبحر البلطيق إضافة إلى أسطول المحيط الهادئ. ثمة عنصر آخر لا يمكن تجاهله هو أن سكان الإقليم، وغالبيتهم من الروس، ظلوا طوال 23 سنة لا يفهمون كيف ناموا ذات ليلة ثم استيقظوا في بلد آخر، علماً أن كل استطلاعات الرأي التي أجرِيت خلال عقدين أظهرت رغبتهم في العودة إلى حضن روسيا. من هنا لم تهتم الغالبية الساحقة من الروس بالشبهات حول شرعية الاستفتاء، فالصوت الأعلى كان لاستحضار مشاعر العزة القومية، وتاريخ من الصراعات على المنطقة، حتى غدت سيفاستوبول في حملة الترويج الصاخبة، مدينة «أكثر روسية» من موسكو وسان بطرسبورغ. بهذا المعنى غدا بوتين قيصراً متوَّجاً وبطلاً تاريخياً، على رغم أن خصومه يقولون إن أحد أسباب اتخاذ القرار الأهم في حياته هو «تحقيق انتصار عسكري ضخم يجمع الأمة خلفه، ويلفت الأنظار عن أزمة اقتصادية خانقة تبدو روسيا مقبلة عليها». في كل الأحوال تبدو الصفقة رابحة، على رغم العقوبات الغربية التي ستغدو مبرراً إضافياً لشد الأحزمة اقتصادياً، وقمع «الطابور الخامس» أمنياً، فـ «عودة» القرم إلى روسيا تدّخر رسوم استئجار القاعدة العسكرية التي تناهز 3 بلايين دولار سنوياً. كما كسبت روسيا منتجعاً يمكن إذا تحسنت بناه التحتية أن يقدم عائدات لا تقل عن ثلاثة بلايين دولار سنوياً. كل ذلك ناهيك عن المغزى السياسي الذي عبّرت عنه كلمات روسي متحمس: «بعد عقدين على حركة انحسار متواصلة، ها نحن نبدأ مرحلة التوسع... إنها دروس التاريخ. أوكرانياروسياالقرم