كان لرجال الأعمال قبل قيام ثورة يوليو 1952 دورًا كبيرًا في الاقتصاد المصري، وفي المجالين السياسي والرياضي كذلك، وامتلكت هذه الفئة العديد من الشركات والأراضي لحسابها الخاص، مع تأثيرهم في بعض قرارات السلطة الحاكمة، إلا أن كل ذلك انهار بصدور القوانين الاشتراكية عام 1961. ومن أبرز رجال الأعمال الذين أثروا في الوسط السياسي والاقتصادي قبل ثورة يوليو هم محمد أحمد فرغلي باشا، وأحمد عبود باشا، وعبداللطيف أبورجيلة، ليتم إدراجهم ضمن قائمة «أغنى الأغنياء» حينها، لكن مع التأميم انهار كل شئ. وفي التقرير التالي يستعرض «المصري لايت» 3 من قائمة أغنى الأغنياء في مصر قبل التأميم، حسب ما ذكره موقع «الملك فاروق الأول». 3. محمد أحمد فرغلي باشا نشأ محمد أحمد فرغلي باشا في محافظة الإسكندرية، في أسرة تنتمي إلى صعيد مصر، وكان الجد والأب من تجار الحبوب بجانب القطن، حتى توارث ذلك عنهما. وتلقى «فرغلي باشا» تعليمه في مدرسة «الجيزويت» الفرنسية ، والتحق بكلية فيكتوريا، وكان من أبرز أصدقائه أمين عثمان، ثم سافر بعد ذلك إلى لندن لاستكمال دراسته في الاقتصاد، لكنه عاد لمرض أبيه. وحسب ما نشر في موقع «الملك فاروق» كان رأسمال الأب حينها يقترب من 30 ألف جنيه، والذي زاد بسبب طموح بعد إنشائه مزرعة لتربية الخنازير فوق أرض مستصلحة تبلغ مساحتها 900 فدان قرب المنصورة، وحقق من وراءه ربح 3 آلاف جنيه، لكن قرر تصفيته بعد أن استدعاه والده. وكان «فرغلي باشا» يلح على والده لاقتحام مجال تصدير القطن، بعد أن كانت الأسرة مكتفية بالتجارة المحلية فيه، وذلك لكسر سيطرة الأجانب، وهو ما حدث بالفعل، رغم أن أولى الصفقات داخل هذا المجال كبدته خسائر تزيد عن 4 آلاف جنيه. ومع وفاة الواد في عام 1927 بدأ «فرغلي باشا» تصدير القطن بحصة لا تتجاوز 0.25% من إجمالي المحصول المصر، وبعد أكثر من 10 سنوات، صدر بنسبة 15%، ليحتل حينها المركز الأول في قائمة المصدرين. وبعد أن أنهى «فرغلي باشا» احتكار الأجنب لتصدير القطن كسر سيطرتهم على بورصة «مينا البصل»، بعد أن تم انتخابه وكيلًا لها عام 1935، وعلى إثره حاز على رتبة البكوية في 1941، وأثناء وجوده في وزارة حسين سري حصل على رتبة الباشاوية. في عام 1934 تعرض «فرغلي باشا» إلى خسارة بقيمة 600 ألف جنيه، بسبب ارتفاع أسعار القطن في بورصة نيويورك، بعدها كان «ملك القطن» من ضمن كبار المساهمين في عدد كبير من الشركات، وعضوًا في مجالس إدارات عدد من البنوك والمؤسسات الاقتصادية، وتوسعت شركته في أعمالها حتى وصلت أرباحها السنوية إلى ما يزيد عن مليون جنيه. لكن في عام 1949 تعرض «فرغلي باشا» إلى أزمة جديدة، بسبب عجز صغار ومتوسطي التجار عن توريد الكميات المطلوبة في التوقيتات المحددة لمجموعة شرائية عملاقة تم الاتفاق بشأنها بينه وآخرين، وللإفلات من الحصار الذي يهددهم لجأ هؤلاء التجار إلى تصعيد الأمر بالشكوى إلى الحكومة، لكن رد وزارة المالية، في الحكومة الوفدية حينها، كان «إيجاز تسليم التجار لأقطان لا تطابق المواصفات». ونقلًا عن مذكرات «فرغلي باشا» اتفق كبار المصدرين على تفويض علي يحيى، أحد التجار، بالسعي إلى استمالة الملك والحصول على دعمه، وكان الوسيط حينها هو إلياس أندراوس باشا، وطالب بأن يحصل الملك على ربع مليون جنيه. واعترف «فرغلي باشا» في مذكراته أن كبار التجار التفوا على مجلس الدولة حتى جاء فتواها لمصلحة صغار التجار متأخرًا، لتنتقل القضية إلى ساحة المحاكم واستمرت لـ20 عامًا، وفاز فيها «ملك القطن» ومن معه . وأكمل «فرغلي» اعترافاته: «انتهت هذه الأزمة عام 1950 بعد ضجةٍ إعلامية كبيرة على صفحات الصحف، وفي المنتديات العامة، ولقد كسبت بعض الصحف نتيجة مساندتها لنا آلاف الجنيهات، كما كسب المحامون مبالغ طائلة وسميت هذه العملية أيامها بعملية الكورنر». 2. أحمد عبود باشا وُلد أحمد عبود باشا لوالد يملك حمامًا شعبيًا في باب الشعرية، وظل بجوار والده حتى تخرج من المهندسخانة، بعدها عمل في وابورات تفتيش الكونت «دي فونتارس» بأرمنت مقابل 5 جنيهات شهريًا، وبعد فصله من وظيفته اتجه لأحد مقاولي الطرق والكباري بفلسطين. في تلك الفترة كان «عبود» ينفذ بعض العمليات للجيش الإنجليزي، ومن خلال ذلك تعرف على مدير الأشغال العسكرية للجيش الإنجليزي ونشأت بينه وبين ابنة هذا الضابط قصة حب انتهت بالزواج. وهذا الزواج كان نقطة تحول كبيرة في مسيرة «عبود»، والذي ترك العمل واشتغل بالمقاولات، وبمساعدة حميه أسندت إليه معظم أشغال الجيش الإنجليزي في فلسطين ومدن القناة. ونتيجة لهذه النقلة تمكن «عبود» من تكوين رأسمال استطاع به أن يشتري معظم أسهم شركة «ثورنيكروفت» للنقل، ثم شركة بواخر البوستة الخديوية، وظهر اسمه في عام 1935 في ذيل قائمة أغنياء مصر حينها. وحسب ما ذكره موقع «الملك فاروق» استفاد «عبود» من ظروف الحرب العالمية الثانية وحقق ثروة طائلة من أرباح أسطول السفن الذي كان يملكه، ليشتري معظم أسهم شركة السكر والتكرير المصرية التي كان يملكها رجل أعمال بلجيكي يدعى «هنري نوس». واستغل «عبود» وفاة «نوس» رغم أن ملك الشركة انتقلت لنجله «هوغ»، بعد أن توفى في الحرب العالمية الثانية، ليستحوذ «صانع الملوك» على الإدارة منفردًا حتى عام 1961 عند تأميمها. وهنا تغير «عبود» بشكل كبير، مستغلًا هجرة الكونت «دي فونتارس» مستحوذًا التفتيش الخاص به، بعد أن كان يعمل بالأجرة لديه، كما اشترى قصره بأرمنت، وهو في الأصل البناية التي أنشأها الخديو إسماعيل لاستضافة «أوجيني» أثناء زيارتها لافتتاح قناة السويس، وسجل كل ما امتلكه باسم نجلته «مونا». وامتلك «عبود» معظم أسهم شركة الفنادق المصرية، وشركات الأسمدة والكراكات المصرية، وغيرها من شركات الصناعات الكيميائية، وأنشأ مصانع الغزل والنسيج قرب نهاية أربعينيات القرن الماضي. وفي عام 1939 اتفق «عبود باشا» مع محمد أحمد فرغلي باشا على سحب ودائعهما من بنك مصر بمعدل نصف مليون جنيه يوميًا، وصحبهما تهديد الحكومة بسحب مبالغها كذلك، حتى يضطر طلعت باشا حرب إلى الاستقالة وهو ما حدث في النهاية، وتولى مكانه حافظ عفيفي صديق الإنجليز. وفي نفس العام أنشأ «عبود» أكبر وأعلى عمارة في مصر كلها في ذلك الوقت، وكانت تتواجد في شارع المدابغ، شارع شريف حاليًا، ومكونة من 13 طابقًا، وأطلق عليها اسم عمارة «الإيموبيليا». وفي يناير 1944 تبرع «عبود» بمبلغ 3 آلاف جنيه للنادي الأهلي لإنشاء حمام سباحة، قبل أن يتولى رئاسته في فبراير 1946 لمدة 15 عامًا، وفيها تمكن من اقتطاع جزء من نادي الفروسية حتى يطل «الأهلي» على كورنيش النيل. هذا التوهج توقف أمام ثورة يوليو، ووقعت المواجهة الأولى بين الضباط الأحرار والرأسماليين في 15 أغسطس 1955، بعد فرض الحراسة على شركة السكر التي يمتلكها «عبود باشا». ومع صدور قوانين يوليو عام 1961 فضل «عبود باشا» الهجرة إلى أوروبا بعد تهريب جزءً من أمواله، واتخذ عدة إجراءات أخرى، كان منها حسبما ذكر موقع «الملك فاروق»: «سفر آخر باخرتين في مصر إلى جدة والأخرى إلى بيروت، ثم اتصل لاسلكيًا بباقي بواخره في عرض البحر بعدم العودة إلى الإسكندرية، وحول أمواله السائلة بالبنوك إلى بنوك سويسرية، ثم سافر إلى نابولي في إيطاليا ليستدعي بواخره واحدة بعد الأخرى ليبيعها هناك». بهذا الشكل تمكن «عبود باشا» من إكمال نشاطه التجاري في أوروبا، محققًا نجاحًا كبيرًا حتى توفى في لندن عام 1964، بفعل أمراض القلب والكُلى. وحسب ما ذكره موقع «الملك فاروق» لجأ أبناء «عبود باشا» للقضاء بسبب عقار خاص بهم في جليم، وانتهى الصراع بعد 30 عامًا في 2006، وصدر حكمًا باسترداده من رئاسة الجمهورية، وهو ما لم يتم تنفيذه إلى الآن. 1. عبداللطيف أبورجيلة وُلد عبداللطيف أبورجيلة في أم درمان بالسودان، وجاء إلى القاهرة وأكمل تعليمه في المدرسة السعيدية الثانوية، ثم التحق بكلية التجارة، وبعد تخرجه عمل في بنك مصر، وكان يعتبر نفسه تلميذًا لطلعت حرب. برأسمال قيمته 34 جنيهًا دخل «أبورجيلة» مجال الاستيراد والتصدير، واشترى آلة كاتبة ومكتبًا وطوابع بريد وعيّن موظفًا يعينه في أعماله، وذلك بمرتب لا يزيد عن 5 جنيهات في الشهر، لينطلق في مشروعه الجديد. تمثلت ثروة «أبورجيلة»، حسب رواية موقع «الملك فاروق»، في موانيء إيطاليا، ممثلة في كميات كبيرة من البضائع، وضاع كل شيء في غارات الحرب العالمية الثانية. قضى «أبورجيلة» سنوات عدة في إيطاليا قبل ثورة يوليو 1952، وتزوج هناك من سيدة تنتمي لأسرة مصرية تُدعى «لندا»، لكن لم ينجبا، وعاد إلى مصر للمرة الأولى عام 1949، واشترى قطعة أرضٍ في وسط القاهرة مساحتها 6 آلاف متر، وكذلك مزرعةً بمساحة 400 فدان في عين شمس. وبعد أشهر من قيام ثورة يوليو عاد «أبورجيلة» إلى إيطاليا، لكن استدعاه عبد اللطيف البغدادي، وزير الشؤون البلدية عام 1954، وطلب منه أن يتولى أتوبيس القاهرة. ووصل أتوبيس القاهرة، تحت إدارة «أبورجيلة»، إلى مستوى غير مسبوق، وكان ينقل ١٣ مليون راكب شهريًا من خلال شركة تضم ٤ آلاف موظف. وبنى «أبورجيلة» أكبر جراجين في مدينة القاهرة، أولهما عند مدخل القبة على مساحة 13 فدانًا، وثانيهما بالقرب من نفق الجيزة، إضافةً إلى جراج ثالث ملكًا لشركة «أمنيبوس» العمومية بشارع إسطبلات الطرق في حي بولاق، واشتراه «إمبراطور الأتوبيس» ليضمه إلى شركته العملاقة. وتولى «أبورجيلة» رئاسة نادي الزمالك في 1956، وتبرع من ماله الخاص لبناء مقره في ميت عقبة عام 1958. سياسيًا لم يتردد «أبورجيلة» في تقديم الدعم للجيش المصري بعد حرب فلسطين عام 1948، واستجاب لطلب وزارة الحربية لتمويل إحدى صفقات السلاح ماليًا، كما بادر إلى وضع حافلات شركته تحت تصرف القوات المسلحة، وتكفل بمسؤولية تموينها ودفع أجور سائقيها أثناء العدوان الثلاثي. رغم ذلك كان «أبورجيلة» ضمن الأشخاص الذين عصفت بهم قرارات التأميم، وانتقل بعدها إلى روما، وأكمل عمله فيها بجانب الخرطوم، واستدعى خبير بلجيكي ليضع حلولاً عملية لمشكلة المرور التي تعاني منها الخرطوم. وعاد «أبورجيلة» إلى مصر في منتصف السبعينيات، وعاش بقية عمره حزيناً على إهدار تجربته في مصر، والتي كان يتمنى أن تتم في بلاده.