من "ثورة الياسمين" بتونس الخضراء إلى لحظة اندلاع "ثورة الغضب" في مصر المحروسة، إلى إعلان تنحي الرئيس مبارك في 11 فبراير/شباط 2011 والذي جاء متزامناً مع انطلاق شرارة ثورة الشباب السلمية في اليمن، فعندما كانت ثورتا تونس ومصر تعبّران عن كرامة الفرد من "البوعزيزي" إلى "خالد سعيد"، فإن الثورة اليمنية انطلقت لتعبّر عن كرامة الأمة، التي تعني بالعربية "القبيلة "، وهي تسعى إلى الإطاحة بنظام ما أطلقوا عليه "نظام عفاش العائلي"، وفقاً لسيناريوهات تكتيكية ذات صلة بمتغيرات "هوية الدولة". لذلك، أصبح من الضروري التحدث عن الشروط الموضوعية التي أدت إلى أن تجعل من الشباب اليمني أنموذجاً لمسايرة الأحداث الجارية في المنطقة العربية، وانطلقت من خلالها صوب إحداث تحول استراتيجي في مسار الاحتجاجات التي بدأت منذ عام 2005م؛ من "حراك جنوبي" إلى "حروب صعدة" إلى "الثورة الشعبية" ذات الصلة بارتفاع أسعار المشتقات النفطية. كل تلك الإرهاصات ليست الوحيدة التي يمكن اعتبارها حالة اعتيادية، لمدى وعي المجتمع والدولة لأهمية التعامل مع طاقات الشباب وطموحاتهم، نحو التغيير عبر تلك المجالات الثورية والشعبوية، وإن كانت تُواجه من قِبل النظام القائم من خلال الاحتواء أو الإرضاء، وأحياناً أخرى بالبحث عن أزمات جديدة. وفي اتجاهات مغايرة للمسارات التي يطمح إليها الشباب ما جعل من الحالة الثورية في اليمن تبدو أنها مجزَّأة سياسياً، وتعتمد على الفاعلية الآنية، ما يخلق مساراً غير المسار الذي تتطلع إليه الشعوب، وفي ذلك تكمن فلسفة الفوضى الخلاقة عبر ازدواجية الغايات والوسائل المؤدية إلى الثورة، إذا ما كانت سلمية أو تجد من العنف وسيلة لتحقيق مكاسب وهمية، وذلك من خلال الالتفاف على الثورة والحفاظ على النظم الاجتماعية التقليدية، التي قد تلعب دوراً في اتخاذ التدابير اللازمة للحراك الثوري من مظاهرات أو مسيرات احتجاجية، لكن الرؤية التي يسعون من خلالها إلى إسقاط النظام ظلت في حالة من الضبابية، بمعنى أن هنالك توجساً من إطالة أمد الحراك السياسي والاجتماعي، في حالة استمرار النظام في مواجهة ذلك. ومن ناحية أخرى، عندما نقول إن الثورة مجزَّأة، فإن ذلك يقودنا إلى إدراك حالة التجاذب السياسي والاجتماعي السائد في الوعي الجمعي لدى القوى السياسية والاجتماعية المحركة لهم، وعلى مختلف مستوياتهم، الأمر الذي شكَّل صعوبة بالغة في تحديد البعد المعنوي للأطراف المنوط بها التعامل مع الثورة السلمية، وفي الوقت ذاته التعامل مع الحشود الجماهيرية بالضفة الأخرى المؤيدة لبقاء النظام أو استمراريته في مواجهة تلك الثورة. وهذا ما دفع بالقوى الخارجية التي يمكن الاعتماد عليها في ظل توافر الشروط الداخلية والموضوعية لوجودها المؤثر في السياقات الداخلية للنظام القديم، الذي قامت الثورة من أجل إسقاطه أو النظام الجديد الذي تطمح أو تسعى إليه الثورة السلمية، من أجل إيجاده كبديل للنظام السابق، ضمن إطار يصعب فيه تحديد القوى السياسية والاجتماعية ومدى فاعليتها بحسب مرجعيتها للنظام القديم أو الجديد. وفي كلتا الحالتين، وُجد تيار جديد يسعى للمواءمة بينهما من خلال المساعي والجهود الدولية لحل الأزمة في اليمن من خلال ما يُسمى "المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية". إلا أن حجم التحديات ما زال مستمراً في ظل أنساق جديدة، ما أدى إلى أن الأطر المجتمعية المكونة للنظام القائم أو المأمول من الثورة، في حالة تماهٍ مع نموذج الثورة المجزَّأة، أي إنها في حالة تفكك، ويعاد تشكيلها في أنساق جديدة بانتظام، في إطار تحولات هيكلية في البِنى الاجتماعية والثقافية. ويعتقد البعض أن ذلك أوجد تبايناً في "الإدراك المعرفي "لدى القوى المؤيدة والمعارضة للنظام على حدٍ سواء". ولذلك، سعت القوى السياسية والاجتماعية إلى الاحتكام إلى "مؤتمر الحوار الوطني الشامل" في عام 2013-2014م، ومحاولة تحديد مجالات التصنيف السياسي والاجتماعي لتلك القوى المشاركة في الحوار ضمن المحاور الرئيسة للحوار "قضايا الحوار الوطني" والمتمثلة في: "القضية الجنوبية، وقضية صعدة، والعدالة الانتقالية، وبناء الدولة، والحكم الرشيد، وبناء الجيش والأمن، واستقلالية الهيئات، والحقوق والحريات، والتنمية الشاملة"، ونجم عنها الكثير من المخرجات النظرية والإجرائية. إلا أن ذلك شكَّل عودة لإعادة إحياء قضايا جديدة غير مدرجة في تلك المجالات المذكورة، وأحدثت تحولاً صوب "سوسيولوجيا الفعل" قائمة على فكر "بورديو" بدلاً من "بارسونز"، وإن كان كلا هذين التيارين الفكريين يعتمد على "هندسة الفوضى"، التي تعني اختلال نظام معين في وظائف النظام سواء كان اجتماعياً أو سياسياً أو تعليمياً، أو اقتصادياً، ما يؤدي إلى مجموعة من التراكمات، وفقاً لشروط محددة بحيث يكون لديها القابلية للفوضى، فحالة انعدام التوازن بين المركز والمحيط، سواء مركز تسليم السلطة أو محيطها الإداري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، أو مركز الثورة ومحيطها الحمائي، ما قد يوفر بيئة خصبة تتوافر فيها الشروط الموضوعية لمسألة الفوضى أو إعادة إنتاجها، حتى لو كانت مرتبطة بالاحتياجات الآنية. وهذا ما قد يؤدي بالضرورة إلى بروز تيارات اجتماعية وثقافية قائمة على استدعاء "الذاكرة الجمعية "، ولما كانت الثقافة توصل من خلال النظام التعليمي ويُعبر عنها كأفضل ما يكون في الفنون، غدت هذه المجالات الحيوية التي يجب أن يتم النظر في سياقاتها كي يتم تطويرها. ونظراً إلى أن ثروات الأمة تعتمد على حالتها الثقافية، أصبحت الثقافة مسرحاً للفعل السياسي. من هنا، نجد أن ما يُسمى "الإعلام الحربي" من أهم مرتكزات تلك "الذاكرة الجمعية"؛ كي نفهم الحاضر من خلال الماضي، ونعمِّق إحساسنا بالمستقبل المنشود؛ لنمتلك من خلال ذلك، الإحساسَ الذي يؤدي إلى إيجاد مقومات التأقلم مع موجة الإصلاحات السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية. ومن ثم، جعل المعرفة أداة لتوسيع خيارات البشر، وتمكين قدراتهم من استيعاب المستجدات التي يمكن أن تطرأ في الساحة السياسية والعامة، ومدى أثرها أو تأثيرها في العمق الاستراتيجي للدولة المنشودة، بعد تلك التراكمات، والمفارقات الجدلية والحيوية التي أطَّرت الأفكار الناجمة عنها خلال المراحل السابقة، وسيكون لها دور في وضع الأسس الفعلية للتوجهات المستقبلية، ومنها خيارات شكل-بناء الدولة، حيث عملت السياقات التفاوضية والتشاورية حول الأزمة اليمنية أو السورية على إزاحة الانتباه عن الهدف الأساسي في ظل أجندات تبدو متضاربة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.