لن أنسى ذلك الموقف الإنساني المثير للإعجاب مع الملك عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله- حول أول إشارة اعتراف أطلقها عن وجود حالات تعاطٍ للمخدرات بين عدد من السعوديين بنين وبنات، فقد كنا رؤساء التحرير ضمن الوفد المرافق له في زيارة رسمية للكويت حين كان وليًا للعهد، وبعد انتهاء الزيارة، وأخذ كل منا مقعده في الطائرة الخاصة لولي العهد، ومن ثم إقلاعها متجهة بشكل مفاجئ لم يُعلن عنه من قبل إلى العراق لا إلى المملكة، حيث تدور المعارك بين إيران والعراق في واحدة من أشرس الحروب الدموية على مدى ثماني سنوات، وكانت هذه الوجهة لولي العهد إلى بغداد تمثل نوعاً من الدعم والمساندة ورفع الروح المعنوية للرئيس صدام حسين -رحمه الله- الذي لم يحفظ للمملكة ولا لدول الخليج دعمها العسكري والمالي والسياسي واللوجستي، إِذْ ما إن تجرَّع الخميني السم بإعلانه القبول بوقف إطلاق النار دون شروط، حتى بدأ صدام حسين مغامرته العدوانية باحتلال الكويت، مستفيداً من أن صوت طبول الحرب، وقرقعة السلاح في معركته مع إيران قد توقفت. * * ليس هذا الموضوع عن تلك الحرب العبثية التي خسر فيها الجانبان العراقي والإيراني ما يقارب المليوني إِنسان بحسب بعض التقديرات، وأُهدرت فيها بلايين الدولارات، وعرَّضت المنطقة إلى استهدافها بموجات متلاحقة من العناصر الإرهابية ولا تزال، وساعدت إسرائيل على أن تكون اليد الأقوى بين دول المنطقة، الرافضة والساخرة من أي تفكير بإقامة مشروع الدولتين، كما تنص على ذلك قرارات الشرعية الدولية، ودون اكتراث بالقوانين الدولية، أو استعداد للقبول بأي حوار يفضي إلى تحقيق الحلم الفلسطيني بإقامة دولته الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس، وفق المبادرة العربية، واتفاق أوسلو، وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بما أصبح السلام والأمن والاستقرار في منطقتنا تحت التهديد العدواني المبيت. * * موضوعي هو عن الإعلام والمخدرات، وما أدراك ما المخدرات، لا عن الحرب العراقية - الإيرانية، ففي تلك الرحلة بزمانها ومكانها ورمزها الكبير، دعانا الملك عبد الله إلى صالونه في تلك الطائرة الأميرية، وتحرك كل منا من مقعده باتجاه مكان جلوس الأمير عبد الله -الملك فيما بعد- وكل منا يجهل الهدف من دعوته، بأكثر من التكهن من أنها ربما تكون لشرح الهدف من زيارته المفاجئة وغير المبرمجة للعراق، وإجراء حوار مع صدام في مطار بغداد للتعرف عن قرب على الوضع الميداني في حربه مع إيران، حيث كانت المملكة ودول مجلس التعاون داعمين للموقف العراقي وللشعب العراقي الشقيق، فإذا به يفاجئنا بما لم نتوقعه، أو نظن بأنه سيكون موضوعه في حديثه لنا، فقد كان كلامه عن المخدرات بين الشباب، وفي المدارس، وتعاطيها بين البنين والبنات، بشكل أظهر لنا حجم تأثره بما يحدث، وعتبه وملاحظته في غياب الصحافة عن ممارسة دورها في هذا الشأن. * * قال لنا -كما أتذكر- ألاحظ غيابكم عن دوركم، وخلو الصحافة من أي مشاركة في مسألة تعاطي المخدرات، وتهريبها، وبيعها، مع ما تمثله من خطورة على الوطن والمواطن، وأنه آن الأوان لتتحملوا مسؤولياتكم -يقصد رؤساء التحرير- وأن نرى جهدًا لكم، ومشاركة فاعلة، إذ لا عذر لكم، ولا مجال لإعفاء الصحافة من التعامل مع موضوع المخدرات بما تمليه ضمائر الصحفيين منه، فهذه رسالتها ورسالتكم في التوعية والتثقيف، وتنبيه المسؤولين ليمارسوا مسؤولياتهم وفق ما تشير إليه الأنظمة والقوانين ذات الصلة. * * قال لنا هذا -أو ما معناه- وكان جوابنا، بأنه من غير المسموح لنا نشر ما يشير إلى تعاطي السعوديين للمخدرات، بحكم أن هذا يشوه صورة المواطن، ويعطي انطباعاً غير حسن عنه، وأننا بحسب التعليمات نلتزم بذلك، ما لم يأتِ ما يغيرها، خاصة أن المخدرات آنذاك لم تكن كما هي عليه الآن من حيث حجم انتشارها، وتركيز المهربين على المملكة، واعتبار بلادنا سوقهم وهدفهم الأول دون منافسة لها من أي دولة أخرى، وكان الجواب الحازم والواضح والصريح من عبدالله بن عبدالعزيز، هذه موافقتي لكم، وابدؤوا من الآن في التصدي لهذا الوباء، ومحاصرته إعلاميًا، للحد من انتشاره، والقضاء عليه إن شاء الله. يتبع..........