مع إزالة أول عقبة تشريعية أمام حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بدأت تظهر في الأفق ملامح التداعيات الداخلية للانسحاب من التكتل الأوروبي، خصوصا مسألة انفصال اسكوتلندا عن جسم المملكة المتحدة. جاء ذلك على خلفية اتخاذ الخطوات الأولى لآلية الخروج، إذ نشرت الحكومة أمس الخميس استراتيجيتها، أي خريطة طريقها إلى المفاوضات مع بروكسل، التي تضمنت فيها التعهد بالخروج من السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي والتحكم بالحدود، إلا أن تسوية أوضاع الأوروبيين المقيمين ظلت رهن المفاوضات التي ستأخذ في الحسبان أوضاع البريطانيين الموجودين في دول الاتحاد. وتؤكد الوثيقة مجددا أن الأولوية هي «استعادة ضبط» الهجرة، وهو ما لم يكن متطابقا مع مبدأ حرية تنقل العمال في دول الاتحاد الأوروبي، مع الاحتفاظ «بأفضل إمكانية وصول» للسوق الموحدة التي تشمل 500 مليون مستهلك. وقال الوزير البريطاني المكلف بشؤون «بريكست»، ديفيد ديفيس، إن «نجاحنا السياسي والاقتصادي هو في مصلحة بريطانيا والاتحاد الأوروبي على حد سواء». وأعلنت الحكومة أن الكتاب الأبيض (الاستراتيجية) «سيؤكد رؤية رئيسة الوزراء من أجل مملكة متحدة مستقلة ذات نفوذ عالمي حقا وعلى علاقة مستقبلية طموحة مع الاتحاد الأوروبي». وتتضمن الاستراتيجية 12 مبدأ، كانت ماي حددتها في خطاب مهم الشهر الماضي، ترشد الحكومة في «تنفيذ الإرادة الديمقراطية لشعب المملكة المتحدة» بعد التصويت بالموافقة على الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء جرى في يونيو (حزيران) الماضي. التصويت في البرلمان على مشروع القرار الذي أعطى الضوء الأخضر لحكومة ماي لإبلاغ بروكسل رسميا أنها تنوي البدء في خطة الخروج وتفعيل المادة «50» من معاهدة لشبونة، أثار حفيظة الحزب الوطني الاسكوتلندي الحاكم في برلمان أدنبره، الذي كان يطمح في أن يحافظ على مصالح اسكوتلندا والبقاء جزءا في الجسم الأوروبي. إلا أن المحكمة العليا في لندن حكمت قبل أيام بأن عملية الخروج لا تستدعي موافقة البرلمانات المحلية في اسكوتلندا وشمال آيرلندا وويلز. قرار المحكمة العليا ألزم حكومة ماي أن تعرض خطتها للخروج على برلمان ويستمنستر فقط، وليس البرلمانات المحلية، وهذا ما حدث أول من أمس لمشروع القرار الذي تم تمريره من قبل مجلس العموم بأغلبية ساحقة، وبموافقة المعارضة العمالية بزعامة جيريمي كوربن، الذي قرر دعم مشروع القرار احتراما لإرادة الشعب البريطاني. واستقال ثلاثة أعضاء من حكومة الظل حتى الآن. وصوت نواب الحزب القومي الاسكوتلندي الأربعة والخمسون ونواب الحزب الليبرالي الديمقراطي أيضا ضد مواصلة النقاش. وبعد 17 ساعة من النقاشات الحادة، وافق النواب مساء أول من أمس (الأربعاء) بغالبية 498 صوتا مقابل 114 على مواصلة النظر في مشروع قانون يسمح للحكومة بتفعيل المادة 50 من اتفاقية لشبونة، التي تطلق سنتين من مفاوضات الانسحاب. وباستثناء الوزير السابق كين كلارك المؤيد لأوروبا، وافق النواب المحافظون على النص ولو «ببعض الحزن» أحيانا. كما أقرت النائبة آنا سوبري، كما جاء في تقرير الوكالة الفرنسية. وقد يكمل المشروع العملية التشريعية بحلول السابع من مارس (آذار). وتريد ماي أن تبدأ مفاوضات الخروج مع الاتحاد الأوروبي بحلول 31 مارس لتطلق عامين من المحادثات التي ستحدد المستقبل الاقتصادي والسياسي لبريطانيا، وستختبر وحدة الأعضاء المتبقين في الاتحاد وعددهم 27. هذا التطور المفاجئ أثار حفيظة اسكوتلندا وشهية الحزب الحاكم في أدنبره للبدء في الكلام عن استفتاء آخر يعطي أدنبره حق تنظيم استفتاء آخر. وبدأت اسكوتلندا تتململ، وتعلن عن عدم رضاها. وذكرت أدنبره مرارا بأنها ستطالب باستفتاء آخر إذا طرأ أي «تغيير مادي» في العلاقة مع لندن. قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي اعتبر التغيير المادي المطلوب من أجل إجراء استفتاء آخر. وبعد تمرير القرار قال وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، أمس الخميس، إن لندن لن تساعد اسكوتلندا على إجراء استفتاء آخر على الاستقلال عن المملكة المتحدة خلال فترة ولاية البرلمان الحالية التي تنتهي في 2020. وقال فالون خلال مقابلة مع صحيفة «هيرالد» في اسكوتلندا، ردا على سؤال عما إذا كان سيسهل إجراء تصويت جديد على الاستقلال: «لا... انسوا الأمر». ولدى سؤاله عن ذلك مرة أخرى في راديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في اسكوتلندا قال: «أوضحنا أنه ليست هناك حاجة لاستفتاء ثان». وقال إن على نيكولا ستيرجن رئيسة الوزراء في اسكوتلندا وزعيمة الحزب الوطني الاسكوتلندي احترام نتيجة الاستفتاء الذي أجري في سبتمبر (أيلول) 2014، وأيد خلاله 55 في المائة من الاسكوتلنديين البقاء ضمن المملكة المتحدة. وقالت ستيرجن على «تويتر»، إن منع حزب المحافظين الذي تتزعمه رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي إجراء استفتاء ثان على استقلال اسكوتلندا سيكون «خطوة كارثية». وستجري نقاشات برلمانية أخرى الأسبوع المقبل، لكن وزير الخارجية المحافظ بوريس جونسون تحدث من الآن عن «لحظة تاريخية». وعبر النائب المحافظ جون ريدوود الذي عرف منذ فترة طويلة بمعارضته للتكتل الأوروبي عن فرحته، قائلا: «لقد تجاوزنا نقطة اللاعودة. سنغادر الاتحاد الأوروبي».