×
محافظة المنطقة الشرقية

قرن من الزمان.. ووجه “العُمري” يعبر الطرقات ويغزل الحصير

صورة الخبر

كلنا نريد الإصلاح وفي جميع الشؤون الدينية والدنيوية والفردية والجماعية والحكومية والأهلية، ولكن برزت لدينا في الآونة الأخيرة ظاهرة غريبة كانت موجودة ولكنها محدودة ثم زادت مع توافر وسائل التقنية كالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ألا وهي مطالب الإصلاح الغوغائي السلبي في شكل «ظاهرة صوتية» غير منتجة. حيث تجد المطالبة بالإصلاح ولكنها مجرد ظاهرة صوتية سواء من جهة المتكلم أو من جهة المخاطَب، فالمُنظِّر مجرد كائل للكلام بلا ضوابط وربما يكون غير معقول ولا عملي وفي الوقت نفسه تجده غير مبادر في المشاركة في الإصلاح، وكذلك تجده هو نفسه ممن يحتاج للإصلاح في نفسه وبيته ومن هم تحت رعايته، فنحن في كل صباح نخرج من منازلنا لنقابل الناس في الشوارع والأسواق والدوائر الحكومية والأهلية ونجد في الكثير منهم التقصير في الإصلاح، ولا أدري من هم الذين نخاطبهم بالإصلاح إن لم يكن المعني أنا وأنت والثالث والرابع وهكذا، ولذا حينما نتصفح تويتر مثلاً كنموذج للرأي العام والتوجه الفكري فنجد الجميع ينقد ويشكو حاله ولكننا جميعاً شركاء في الواقع الذي نشكو منه، فلدينا في السعودية أكثر من مليوني موظف حكومي من الرجال والنساء والمدنيين والعسكريين، وثلاثة أضعافهم في القطاع الخاص، وستة ملايين طالب وطالبة ومليون جامعي وجامعية، ومائتي ألف مبتعث ومبتعثة عبر الكرة الأرضية نصفهم في أمريكا وبريطانيا، وجميعهم لو جلست معهم لسمعتهم يطالبون بالإصلاح وكأن هذا الإصلاح سينزل علينا بالباراشوت رغماً عنا وليس بأيدينا أي إرادة، ولكن لو بادرنا جميعاً بالإخلاص والأمانة تجاه أنفسنا وبيوتنا ودوائرنا الرسمية والخاصة لتغير الحال نحو الأفضل ولكننا نتجاهل أو ربما نجهل بلا وعي أننا أصل الداء وفينا الدواء ولكننا مقصرون وسلبيون. وكدليل على صحة ذلك قمت عدة مرات بتشجيع بعض الناس على المبادرة الإيجابية في تقديم الحلول المنطقية لمن يهمه الأمر، ولكنني في كل مرة لا أجد من يستجيب لطلبي ولا من يتعاون معي في الحلول، في حين أننا لا نمل ولا نكل من تعبئة الهاشتاقات في تويتر بالمطالبات والنقد غير البناء والكلام غير الموضوعي، فأصبحنا مجرد ظاهرة صوتية وكأننا «نفش الغل» عن أنفسنا لنرتاح ولا يهمنا معالجة الأمور التي نشكو منها في الحقيقة. وعلى الصعيد الآخر هناك أيضاً إصلاح صوتي من طرف بعض المسؤولين، لأننا نسمع عن مكافحة الفساد مثلاً ونحن لم نر الفعل الحقيقي الكافي، فهل قامت هيئة مكافحة الفساد مثلاً بمراجعة كل مشروع مناقصة حكومية وتأكدت أنها تمت بالمنافسة وليست بالترسية المباشرة، وهل قامت بمتابعة كل مشروع وتأكدت من تنفيذه في الزمن المتفق عليه وأن هذا الزمن معقول وليس مبالغاً فيه، وهل قامت بمتابعة كل مشروع وتأكدت من جودته حسب المواصفات النظرية التي تملأ الصفحات والواقع خلاف ذلك للأسف. ومن المعروف أن ميزانية الدولة في كل عام تذهب إما للرواتب ونحوها وإما للمشاريع ونحوها، فهل راجعت الهيئة كل ريال تم صرفه للموظفين لتتأكد من أحقية أخذه، وكذلك مملوكات الدولة من سيارات وأجهزة وكذلك عاملين، فلا يجوز أن نجد عند المسؤول مجموعة من الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم من الدولة وهم يعملون لصالح خدمات المسؤول الخاصة وبيته وأهله واستراحته ومزرعته، وكذلك سيارات الدولة لسائقي أهله ويقودها أولاده وحتى الوقود والصيانة من حساب الدولة، وكذلك في المشاريع، حيث إننا منذ عشرات السنين ونحن نرى الأرقام الفلكية لتلك المشاريع ثم نبلى بثلاثة أنواع من الفساد فيها، فأولاً المبالغة الفاحشة في قيمة المشاريع، وثانياً التأخر الكبير في تحقيقها، وثالثاً الجودة الرديئة في تنفيذها، فضلاً عن تقصير الكثير من الجهات في عدم ترسية المشاريع اللازمة ابتداءً. كما أن أهم ثلاثة أمور يقع فيها الفساد ليست هي من اختصاص هيئة مكافحة الفساد للأسف، فأولها الفساد في سوق المال، وثانيها الفساد في الأراضي تملكاً بشكل غير مشروع ثم احتكارها وكنزها بشكل غير مشروع كذلك وعدم بيعها مع حاجة الناس لها فضلاً عن عدم دفع زكاتها وهي معدة للتجارة وبملايين الأمتار فعاش أكثر من نصف الشعب في مساكن مستأجرة وتتضخم أسعارها في كل يوم وتأكل أكثر من نصف دخلهم الضعيف أصلاً، وثالثها أن الهيئة ليس من حقها النظر في الفساد بأثر رجعي، وهذا يعني أن كل الفساد قبل سريان عمل الهيئة لا تختص به، فمن هو إذن المسؤول عن هذه «الفسادات» الثلاثة؟! وبناء على ما تقدم فأسأل جميع السائلين والمسؤولين: هل أنتم جادون في دعم الإصلاح ومكافحة الفساد أم حديثنا مجرد «ظاهرة صوتية» وفقاعات هلامية للاستهلاك الإعلامي والتنفيس النفسي؟.