×
محافظة المنطقة الشرقية

الكوماندوز يبحث عن فوز تأخر 70 يوماً

صورة الخبر

حين تكون عربياً ثم تكتب اسمَكَ بحروف أجنبية.. فأنت تبصق في وجه أبيك!! لا توصيف لحالتك أقلّ من هذا!! اللغة أُم.. ومن العار أن ترمي أمكَ على قارعة الطريق؛ لأنها لم تعد جميلةً في نظرك!! الأمهاتُ لسن نساءً يُقسن بمقاييس الجمال والقبح!! الأمهاتُ جميلاتٌ في كل حالاتهن!! وجهك جميلٌ؛ لأنه أصيل، وليس لأنه أبيض، أو أسمر، أو حلو التقاطيع!! لماذا تُصر على تلطيخ وجهك بما تظنه زينة، بينما هو طينٌ مُطينٌ بِطِين؟! أَعرفُ أنك ترى الأمر أهونَ من هذا.. وهذه هي الكارثة!! *** في إحدى قرى داغستان سمع رسول حمزاتوف - صاحب رواية بلدي- امرأتين تتلاعنان؛ قالت إحداهما: - ليحرِم اللهُ أطفالَكِ مَن يستطيع أن يعلمهم اللغة!! فردت الأخرى: - بل ليحرم اللهُ أطفالَكِ من يستطيعون أن يعلموه اللغة!! كانت هذه (اللعنة) -كما يقول حمزاتوف- أرهب لعنة سمعها في لعنات أهالي الجبال!! *** الأمر ليس هيناً كما تظن؛ بل هو لعنة.. لعنةٌ ستصيبك في مقتل!! أنت مخطئ حين تظن أن اللغة ليست أكثر من أداة تواصل تستطيع استبدالها وقتما تشاء!! الأمر أشبه بفقدان أوراقك الثبوتية في أرض غربة.. إن فقدتها فستتحول إلى كائن يتنفس، تماماً كما يتنفس الكلب والحمار والخنزير!! اللغة تاريخك الذي تحمله فوق ظهرك، وتراثك الذي يشكل وعيك، وهويتك التي تُنبئ عن ذاتك، وروحك التي تمور بين جوانحك، ووجهك الذي تقابل به الدنيا.. أنت الجنين وهي الحبل السري الذي إن انقطع مِتَّ!! لماذا تُصر على الانتحار؟! *** في باريس، التقى رسول حمزاتوف رساماً داغستانياً هاجر منذ ثلاثين سنة ولم يعد لبلاده، لقد شعر معه ببعض الدفء الذي يشعر به أبناء البلد الواحد في الغربة، وحين عاد إلى داغستان سأل عن أهله فاكتشف أن أمه لا تزال على قيد الحياة، لقد فرحت كثيراً حين حدثها عن ابنها.. وفي نهاية الزيارة سألته: هل تحدثتما بالآفارية؟ فأجاب رسول: كلا، لقد تحدثنا بواسطة مترجم، كنتُ أنا أتكلم الروسية وابنك يتكلم الفرنسية.. غَطَّت الأمُ وجهَهَا بطرحتها السوداء كما تفعل النساء حين يسمعن بموت أبنائهن، وبعد صمت حزينٍ قالت: أنت مخطئ يا رسول، لقد مات ابني منذ زمن بعيد، هذا لم يكن ابني، فابني لم يكن ليستطيع أن ينسى اللغةَ التي علمتُه إياها أنا أمه الآفارية!! *** لكي تشعر بفداحة الأمر، تذكر أن أعظم الكتاب والعلماء الأتراك تحولوا في صباح يوم كئيب إلى أميين لا يحسنون القراءة والكتابة!! أراد أتاتورك إسقاط الإسلام وعلمنة الحياة؛ فكان أول ما فكر فيه هو إسقاط اللغة وحروفها.. منع الكتابة بالحروف العربية؛ فأصبح الناس وقد انقطعوا (معرفياً) عن تراثهم المكتوب.. لقد تحولوا فجأة إلى أميين.. وكان على الكاتب التركي والمعلم التركي والمثقف التركي أن يعود إلى مقاعد الدراسة -بجوار أطفاله- ليتعلم حروف الهجاء اللاتينية التي أجبرهم أتاتورك على الكتابة والقراءة بها!! استطاع المعلم التركي أن يتعلم - بصعوبة- حروف الهجاء المستحدثة ليقرأ ويكتب من جديد، أما طفله فقد نُقشت الحروف المستحدثة على صفحة روحه وتجذرت في ذاته مكونةً شخصيته وهويته!! بعد عشرين سنة كان على ذات الطفل، الذي أصبح شاباً، أن يستعين بأبيه ليفك له طلاسم كتابٍ كُتب قبل عشرين سنة!! تماماً كما يستعين الإنكليز الآن بقواميس اللغة الإنكليزية القديمة ليفهموا شكسبير!! * هل الأمر مقلق إلى هذه الدرجة؟! - لا .. الأمر ليس مقلقاً.. الأمر مرعب.. مرعبٌ حد الشعور بأننا يمكن أن نتحول، بسبب استهانتك بالأمر، إلى هنود حُمر!! لن أحدثك عن تاريخ الحرب على اللغة العربية.. لن أحدثك عن الجهود الحثيثة لوأد هذه اللغة.. لن أقول لك: إن الإنسان - إن أمعنتَ النظر- ليس أكثر من (لغة وعقيدة) إن سقطت إحداهما سقطت الأخرى.. وإنه ليس ثمة لغة حية في الدنيا مرتبطة بعقيدة كارتباط العربية بالإسلام، وإن البوابة الأولى التي يدخل منها الغزاة هي اللغة العربية!! وإن استخدامك للحروف العربية في كتابة اسمك على مواقع التواصل الاجتماعي يُعتبر (تدريعاً وتقويةً) للبوابة من السقوط!! لا تستهن بالأمر.. ساعد في تحصين بوابة بيتك كي لا يقتحمه الغزاة!! الغزاة أذكياء جداً.. فلا تكن مغفلاً، إنهم يحسنون التدرج في الغزو، وشيئاً فشيئاً ستجدهم في غرفة نومك!! دعك من التعلل باضطرارك -علمياً وثقافياً ومجتمعياً- لاستخدام الحروف واللغات الأجنبية، أنت تعلم أنها علل فارغة.. لو تعللتَ بالاضطرار في كل شيء فلن تُنتج شيئاً!! إلى متى ستظل تتفاخر وتتلذذ بأكل الميتة؟! أعطني موعداً يمكن أن تكف فيه عن أكل المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة؟!! هذا عبث!! ليس ثمة اضطرار ولا يحزنون!! الحقيقة أن شعورك بالنقص والضعة، وقابليتك للاستعمار، وولعك -كمغلوبٍ- بتقليد الغالب هو الذي يكسر روحك الآن، فلا تكذب على نفسك وتتعلل بعلل فارغة.. لن تحقق شيئاً طالما ظللتَ تكذب على نفسك!! صارح نفسك بالحقيقة.. فإن الصدق مع النفس أول طريق العودة إلى الذات. احترم ذاتك وكُف عن الشعور بالنقص. يذكر رسول حمزاتوف أن الشاعر الداغستاني أبا طالب ذهب مرةً إلى موسكو، وفي الشارع اضطر أن يسأل عن السوق، وكان أن صادف إنكليزياً فسأله، فلم يفهم الإنكليزي أبا طالب، فأخذ يستفسر منه بالإنكليزية، ثم بالفرنسية، ثم بالإسبانية.. حاول أبو طالب أن يتفاهم معه بالروسية أولاً، ثم باللاكية، ثم بالآفارية، فالليزغينية، فالدرغينية، فالكومية.. ثم افترقا دون أن يفهم أحدهما الآخر.. أحد الداغستانيين المثقفين جداً جداً (الذين أخطأ الإمام شامل بتركهم على قيد الحياة!!) قال لأبي طالب: أرأيتَ قيمة الثقافة يا أبا طالب لو كنتَ مثقفاً أكثر لاستطعت التحدث مع الإنكليزي.. رد أبو طالب: ولكن لماذا يجب أن يحسب الإنكليزي نفسَه أكثر ثقافة مني، فهو بدوره لم يكن يعرف أية لغة من اللغات التي حدثته بها!! *** أنت منسحقٌ حضارياً، و(عقدة الخواجة) تكسر نفسك، أنا أعذرك في ذلك، فانسحاقك هذا ليس بِدعاً من السنن الربانية في صعود الحضارات وسقوطها! ما يحدث لك الآن حدث للشباب الأوروبي قديماً، فقد كان شباب ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، في فترات مجد المسلمين، يأتون إلى الأندلس ليتلقوا العلم على أيدي العلماء المسلمين، وكانت لغة العلم آنذاك هي اللغة العربية، فكان لزاماً على كل طالب منهم أن يتعلم العربية أولاً، وكانوا إذا رجعوا إلى بلادهم تفاخروا أمام أقرانهم بالمصطلحات العربية والألفاظ العربية والشعر العربي؛ بل كانوا يستفتحون مناقشاتهم لقومهم بالعربية؛ ليعرف محدثهم أنهم من أهل العلم والثقافة والمعرفة (تماماً كما تحشر أنتَ الآن كلمةً أو كلمتين بالإنكليزية أو الفرنسية ليعلم محدثك أنك مثقف).. وقد تنبهت الكنيسة آنذاك لهذا الخطر فتوعدت هؤلاء الشباب (الرقعاء!!)، كما سمتهم، بالحرمان من ملكوت السماء إن لم يتوقفوا عن ذلك! وفي سنة 240هـ / 854 م أصدر القس ألفارو القرطبي (وثيقة آهات) سماها (الدليل المنير) يتحسر فيها على الشباب المسيحي الذي تعرَّبَ وابتعد عن ثقافته ولغته ودينه.. يقول فيها: "يطرب إخواني المسيحيون بأشعار العرب وقصصهم، فهم يدرسون كتب الفقهاء والفلاسفة المحمديين لا لتفنيدها، بل للحصول على أسلوب عربي صحيح رشيق، فأين تجد اليوم عالماً مسيحياً يقرأ التعليقات اللاتينية على الكتب المقدسة؟ وأين ذلك الذي يدرس الإنجيل وكتب الأنبياء والرسل؟ واأسفاه.. إن شباب المسيحيين الذين هم أبرز الناس مواهب ليسوا على علم بأي أدب ولا أية لغة غير العربية، فهم يقرأون كتب العرب ويدرسونها بلهفة وشغف، وهم يجمعون منها مكتبات كاملة تكلفهم نفقات باهظة، وإنهم ليترنمون في كلّ مكان بمدح تراث العرب، وإنك لتراهم من الناحية الأخرى يحتجون في زراية إذا ذُكرت الكتب المسيحية بأن تلك المؤلفات غير جديرة بالتفاتهم.. فواحرّ قلباه! لقد نسي المسيحيون لغتهم، ولا يكاد يوجد منهم واحد في الألف قادر على إنشاء رسالة إلى صديق بلاتينية مستقيمة! ولكن إذا استدعى الأمر كتابة بالعربية فكم منهم من يستطيع أن يعبر عن نفسه في تلك اللغة بأعظم ما يكون من الرشاقة، بل قد يقرضون من الشعر ما يفوق في صحة نظمه شعر العرب أنفسهم". هذا ما كتبه ألفارو القرطبي.. ولاحظ ارتباط اللغة عنده بالدين!!! لم يقتصر الأمر آنذاك على اللغة؛ بل وصل تقليد الأوربيين للعرب والمسلمين إلى المأكل والمشرب والأزياء والنظافة الشخصية التي لم يكن الأوربيون يعرفون عنها شيئاً.. ونظرة سريعة في كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ، أو كتاب المستشرقة الألمانية (زيجريد هونكه) تضع يدك على كم القرف الذي كان الأوروبيون يتقلبون فيه، الذي اغتسلوا من أدرانه بعد احتكاكهم بالمسلمين!! ولم يكن تقليد الأوروبيين للمسلمين مقتصراً على عوامهم فقط؛ بل وصل إلى خواصهم وأمرائهم وملوكهم وبعض باباواتهم، حتى إن (بلدوين) مغتصب القدس أطلق لحيته كالمسلمين وارتدى الزي العربي، وضرب (بتانكرد) مغتصب أنطاكية صورته على النقود بالزي العربي، وحرص (روجيه الثاني) إمبراطور النورمان على ارتداء الملابس العربية في بلاطه وتعلم العلوم العربية والتحدث بالعربية، أما البابا (سلفستر الثاني) فقد بدأ حياته العلمية في قرطبة وتعلق بالعرب وعشق علومهم وانبهر بهم حتى قال مرةً عن مكتبة القاهرة في زمنه: "إنه لمن المعلوم تماماً أنه ليس ثمة أحد في روما له من المعرفة ما يؤهله لأن يعمل بواباً لتلك المكتبة، وأنَّى لنا أن نعلم الناس ونحن في حاجة لمن يعلمنا، إن فاقد الشيء لا يعطي!". وسلفستر هذا دليل واضح على أثر البعثات العلمية في الصبا.. ورغم ما لهذه البعثات من فوائد جمة فإن تطبيقها على الوجه الذي طُبقت به عندنا أنتج ما نحن فيه من عار!! نحن نلقي بأبنائنا إلى أعدائنا ليعلموهم فيعودوا ليهدموا حصوننا من داخلها.. والشجرة لا يقطعها إلا أحد فروعها!! *** أعرف أن هذا مجد غابر، فلا تتفلسف عليَّ بـ(كان فعل ماضٍ ناقص)، ودعني أسألك: كيف غبر هذا المجد؟!! غبر هذا المجد بسببك أنت وأمثالك، بسبب تقليدك الأعمى، بسبب شعورك بالنقص والضعة، بسبب قابليتك للاستعمار، بسبب ذوبانك -كمغلوبٍ- في غالبك!! أنت تمتلك حضارة عظيمة، وتراثاً عظيماً، ولغة عظيمة، فلماذا تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! لا بأس بتعلمك من غيرك، بل الواجب عليك أن تتعلم من غيرك؛ فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها، ولكن: كُن أنت.. كُن نفسك.. لا تكن كالجَدي الذي ذهب إلى الغابة لينمو له ذَنَبُ ذئب فعاد حتى بدون قرنين!! لماذا تحتقر نفسك؟! أنت وحدك المسؤول عن سقوطك، وأنت وحدك المسؤول عن نهضتك!! أنت من سيقرر الوقت الذي تنتهي فيه دورة حضارة لتبدأ فيه دورة حضارة أخرى. انزواؤك في دهليز الظلام الذي تنزوي فيه لن يصنع مصباحاً!! هذا يكفي.. *** اخترعَ أحدُ الشباب جهاز إنذار ثم سماه باسم إنكليزي.. وحين سألته: لماذا لم تسمه باسم عربي؟! ضحك وعجب من سؤالي ونظر لي نظرة ابن المدينة لابن الأرياف.. عرفتُ ما يدور في عقله.. ودار بيننا حوار طويل خرج بعده مصمماً على تعلم العربية تعلماً يساعده في مجال عمله العلمي.. بعد خروجه تذكرت قول الرافعي رحمه الله، حين قال، في معرض حديثه عن تراجع العربية في هذا العصر، مؤكداً أن هذا التراجع عائد لتراجع أصحاب اللغة وليس إلى اللغة ذاتها : "ومتى كانت اللغة صورة الأمة فإن كل ما يعتور هذه يتصل أثرُه بتلك ضرورة، ولذلك بقيت العربية في نفسها على مرونتها الأولى حتى يتاح لها أقوام كأولئك الأقوام وتُقيض لها أقلام كتلك الأقلام". فليس للغة ذنب حين تتراجع بتراجع أهلها، وهذا ما يؤكده العالم الفرنسي (فندريس) حين يقول: "إننا لا نعلم إطلاقاً لغة قد قصرت عن خدمة إنسان عنده فكرة يَود التعبير عنها"، ثم يعقب قائلاً: "فلا ننصت إذن إلى أولئك المؤلفين العاجزين الذين يُحَملون لغاتهم مسؤولية النقص في مؤلفاتهم؛ لأنهم هم المسؤولون على وجه العموم عن هذا النقص". لقد أحيا اليهودُ لغتهم العبرية بعد موات.. والعربية ليست لغة ميتة أو فقيرة؛ بل هي بحر متجدد يكمن الدر في أحشائه.. ولكن المشكلة فيك أنت!! أنت سبب النكسة.. فكن سبب النهضة!! أنا لا أطالبك الآن بإتقان العربية، ولا بتحري الإحسان آن الكتابة بها.. هذا مستوى آخر سأطالبك به فيما بعد.. أنا الآن أحاول فقط منعكَ من البصق على وجه أبيك، وإلقاء أمك على قارعة الطريق!! أحاول فقط أن أقنعك بكتابة اسمك في مواقع التواصل الاجتماعي بحروف عربية!! هذا فقط ما أطالبك به الآن!! أرجوك.. كُفَّ عن البصق في وجه أبيك!! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.