×
محافظة المنطقة الشرقية

تنمية بقيق تستقبل كبار السن للتسجيل في حساب المواطن

صورة الخبر

يعد فلوريون فيليبو هو المخطط الاستراتيجي وراء إعادة تصدير الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في صورة حركة شعبوية مناهضة للنخبة، لكن لا تخطئوا بالحكم على اعتداله. كان فلوريون فيليبو أقرب مستشاري مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، يراقب النتائج عشية الانتخابات الأميركية في شقته الواقعة في الجانب الأيسر من باريس، وقبيل الفجر، وقبل أن يصبح فوز دونالد ترامب رسمياً، بينما بدأت المؤسسة الليبرالية بالذعر، غرد على موقع تويتر قائلاً "بدأ عالمهم بالانهيار، وجارٍ بناء عالمنا". اتصل فيليبو هاتفياً بلوبان قرابة الساعة الثامنة صباحاً، لنقاش الأخبار السارة، فقد كانت في غاية السرور في المقر الرئيسي لحزبها -الجبهة الوطنية القومية المناهضة للهجرة- تستعد لتوجيه خطاب تهنئة لترامب، إذ بدا أن فوزه القائم على وعود الحماية الاقتصادية وإغلاق الحدود، وكأنه دفعة قوية لحملتها الرئاسية. وفي غضون ذلك، وصلت سيارة لتقلَّ فيليبو نائب رئيس الحزب، إلى قرية كولومبي لي دو إجلي التي تبعد 250 كيلومتراً عن باريس، لوضع إكليل من الزهور على قبر الزعيم العظيم في فترة ما بعد الحرب، الجنرال شارل ديغول. تزامن انتصار ترامب مع الذكرى السنوية لوفاة ديغول، الذي قاد المقاومة الفرنسية ضد النازية الألمانية، وجدير بالذكر أن فيليبو من أكبر المعجبين بديغول، إذ يتزين مكتبه الملاصق لمكتب لوبان بتذكارات ديغول، وهي إحدى الأمور الكثيرة التي تجعله يبدو غريباً عن الحزب الذي طالما اعتبر ديغول خائناً، لسماحه بحصول الجزائر -المستعمرة الفرنسية سابقاً- على استقلالها. كان لا بد أن تتعرض شهادة فيليبو النخبوية للهجوم عليه داخل الحزب الذي لا يخفي كراهيته للمؤسسة، فبعد أن تخرج فيليبو في كلية إدارة الأعمال الوطنية الخاصة، والتي يتخرج فيها الرؤساء ورؤساء الوزراء، لم يشق طريقه في الجبهة الوطنية بالشكل التقليدي (القيادة في شتى أنحاء البلاد ليعلق الملصقات الانتخابية على الأسوار). بالإضافة إلى أنه مثلي الجنس، في حزب قال جين ماري لوبان المشارك في تأسيسه ذات مرة إن المثلية الجنسية عبارة عن "شذوذ بيولوجي واجتماعي"، إلا أن فيليبو البالغ من العمر 35 عاماً أصبح مؤخراً صوت الحزب، ونجم الإعلام، وأول من قال إن فوز ترامب علامة بروز نظام عالمي جديد. بعد وضعه إكليلاً من الزهور على قبر ديغول، استضاف فيليبو 100 شخص من العاملين في الحزب والمؤيدين على مأدبة عشاء في مطعم قريب، وفي نهاية العشاء، ومع طي الشراشف الورقية ووضعها على الطاولات، قال لضيوفه إن فوز ترامب أثبت أن الناس "يتخلصون من قيودهم"، وأضاف أنه جاء دور فرنسا، ووعد أن مارين لوبان ستفوز بانتخابات فرنسا الرئاسية في مايو/ أيار المقبل 2017. وقال "إن كل شيء قيل عنه بالأمس إنه مستحيل أو بعيد الاحتمال، أصبح اليوم ممكناً جداً، ومحتملاً جداً". أظهرت استطلاعات الرأي أنه حتى إذا ما وصلت لوبان إلى جولة الإعادة في الانتخابات، فإنها لن تفوز أبداً، لكن ذلك غير مهم. ترددت هتافات "مارين رئيسة" في أرجاء الغرفة، ووعد فيليبو بأن لوبان سوف "تجعل فرنسا عظيمة مرة أخرى"، ومن ثم وقف الجميع وغنوا أغنية "البؤساء" المعروفة. فيليبو ولوبان.. إذا كانت لوبان في الوقت الراهن أقرب ما تكون لكرسي الرئاسة الفرنسي أكثر من أي وقت مضى، فإن ذلك بفضل تعاونها مع فيليبو بشكل كبير، والتي تثق بأحكامه تماماً لدرجة أنه من النادر أن تتخذ قراراً دون استشارته، إذ يقول بيرتراند دوثيل ديلاروشيه، مستشار لوبان والمقرب أيضاً من فيليبو "لديهم ترابط فكري، فهم في اتفاق تام على المبادئ الأساسية". يرجع الفضل لفيليبو في تنفيذ خطة لوبان لتصحيح صورة حزب الجبهة الوطنية، من تهدئة لهجة الخطاب، وتوسيع الدعم الانتخابي، وحظر بعض الآراء، مثل معاداة السامية والعنصرية ومعاداة الأجانب، حتى وإن كانت هذه الهواجس القديمة لا تزال قابعة تحت السطح. وأدت مهمة فيليبو الأساسية في المحافظة على عدم الخروج عن خط الحزب، واستئصال المخالفين، إلى تشبيه منافسيه له داخل الحزب بروبسبيير، الزعيم الثوري الفرنسي الشرس. كانت الحماسة هي الدافع وراء تغيير فيليبو لصورة الحزب، وهو ما شجع لوبان أن تفصل والدها جان ماري لوبان من الحزب الذي شارك في تأسيسه عام 1972، وإذا ما اعتبرنا أن والد لوبان البالغ من العمر 83 عاماً، العنصري الصريح الذي أنكر حدوث الهولوكوست، كان بمثابة آفة ضارة للفرص الانتخابية لحزب الجبهة الوطنية، فقد قدم فيليبو نفسه على أنه منقذ الحزب، لكن في الوقت الذي يحاول فيه حزب الجبهة الوطنية الوصول إلى الرئاسة، فتح التملق والخوف والنزاعات التي يثيرها فيليبو الخلافات من جديد داخل الحزب. حزب لوبان.. وفيليبو منذ البدايات المتواضعة لحزب الجبهة الوطنية في سبعينات القرن الماضي، وعندما اختير جان ماري لوبان ليمثل الحزب القومي الوليد، والذي امتد دعمه من مقاتلي الشوارع من الفاشيين الجدد، إلى أعضاء سابقين في نظام فيجي المتعاونين مع العدو في زمن الحرب. إذ انخرطت المنظمة في جهود متكررة لإعادة تقديم نفسها وزيادة قبولها لدى الناخبين. كانت محاولات فيليبو ومارين لوبان للحصول على السلطة من خلال التحول الاقتصادي تجاه اليسار، ومغازلة الطبقة المتوسطة الدنيا الناقمة، ما هي إلا الملامح الأخيرة للكثير من الإجراءات المتخذة لتقديم الرؤية الجديدة، إلا أن الشقوق بدأت تظهر في أسرة لوبان. إذ إن ماريون ماريشال لوبان، ابنة شقيق لوبان البالغة من العمر 27 عاماً، والنائبة في البرلمان عن معقل الحزب في فوكلوز -شديدة اليمينية والواقعة في الجنوب- كاثوليكية متعصبة ومحافظة اجتماعياً، وترى أن الحزب لا يجب أن يتوانى عن تأدية رسالته. يعتبر التحدي الذي يواجه مارين لوبان، هو إحداث توازن سلس في ظل المساعي الرامية إلى توسُّع حزب الجبهة الوطنية، دون فقدان المثل الأساسية، فالسبب الأساسي الذي يختار الناخبون حزب الجبهة الوطنية لأجله، هو استمرارهم في مناهضة الهجرة، وهي رسالة "مناهضة الأسلمة" المنادية بالمحافظة على فرنسا للفرنسيين، إذ طغى هتاف واحد ردده المؤيدون في التجمعات التي تعقدها لبان على غيره من الهتافات، وهو "On est chez nous"، أي "هذه بلدنا". التقى فيليبو مع لوبان في مايو/ أيار 2009 خلال حفل عشاء لدوائر اليمين المتطرف بباريس، حيث ناقش الضيوف السيادة الوطنية وسياسات الهوية أثناء تناولهم طعاما مطبوخا منزلياً واحتساء النبيذ الجيد. كانت الجبهة الوطنية غارقة خلال هذا الوقت في إحدى أكثر أزماتها تشتيتاً. فقد فقدت كثيراً من المصوتين لها لصالح مرشح اليمين نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت عام 2007، كما كانت الجبهة تعاني من ديون كثيرة مما أجبرها على بيع مقراتها الحزبية، فضلاً عن حصولها على 6% فقط من التصويت لانتخابات الاتحاد الأوروبي التي جرت في الشهر التالي. أملَت مارين لوبان أن تتولى شؤون الجبهة الوطنية وأن تحولها من أداة أبيها المهمشة للاعتراض إلى مجموعة تستطيع في يوم من الأيام أن تفوز بالسلطة. لكن في ظل الحزب الضعيف الذي لا يزال يُعرّف بصورته المرتبطة بالعنصرية ورهاب الأجانب، كانت لوبان في حاجة إلى التكنوقراط وخبراء السياسة لكي يطوروا من أفكارها. كان فيليبو يبلغ من العمر 28 عاماً ويوصف بالخجل والمثابرة، وهو ابن لمعلمَين، ويعيشون جميعاً في ضاحية هادئة بمدينة ليل في الشمال. كان موظفاً حكومياً صغيراً في وزارة الداخلية، وهو بذلك ينتمي إلى المؤسسة التي يمقتها اليمين المتطرف. لم يصوت للجبهة الوطنية على الإطلاق، لكنه يقول إنه كان ينمو لديه منذ طفولته ولع بالسيادة الوطنية الفرنسية. وقد شجع والداه انجذابه نحو السياسة عن طريق اصطحابه كي يشاهد عملية إحصاء الأصوات الانتخابية، كما اصطحباه لزيارة المنزل الذي قضى فيه الجنرال شارل ديغول طفولته. لا يحب الاتحاد الأوروبي انتابت فيليبو حالة عميقة من الاشمئزاز تجاه الاتحاد الأوروبي. وعندما كان يبلغ من العمر 11 عاماً، انفجر فيليبو الصغير فى البكاء بعد توقيع فرنسا على "معاهدة ماستراخت" التي مهدت الطريق نحو استحداث عملة أوروبية موحدة. أخبرني عن هذا قائلاً "كنت صغيراً للغاية، لكنني أدركت من الناحية العاطفية أن عملتنا المعدنية، الفرنك، سوف تختفي وقد شعرت أنه شيء محزن حقاً. كان هذا لاعقلانياً وعاطفياً ولم يكن سياسياً تماماً، لكنني كنت مهتماً به. كانت هذه الحملة الأولى التي أتابعها حقاً". شكل مغادرة منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي هاجساً له. رفض فيليبو، خلال دراسته في كلية إدارة الأعمال الوطنية أن يؤدي التدريب الاعتيادي في أي من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وقال "إنني أعتبرها جميعاً غير شرعية ومناهضة للديمقراطية"، وبدلاً من هذا قضى أربعة أشهر بالسفارة الفرنسية في كوبنهاغن. قال زملاؤه إنه ينتفض حينما يشاهد علم الاتحاد الأوروبي يرفرف أعلى أي مبنى عام في فرنسا. وقد دعّم في وقت سابق -عندما كان طالباً في أفضل مدرسة إدارة أعمال بباريس (HEC)- الحملة الرئاسية لوزير الداخلية الفرنسي السابق، الاشتراكي جان بيير شيفينما، الذي خاض السباق الرئاسي معتمداً على بطاقة تعريفية مناهضة للاتحاد الأوروبي. لطالما أنكر فيليبو أنه انتمى شخصياً لليسار في أي وقت. إذ قال لي "إنني لم أعتبر نفسي قط من اليسار أو اليمين. بل إنني أعتبر دائماً أن هذه القسمة ماتت مع نهاية الحرب الباردة". هكذا اجتمعا للمرة الأولى وقع بصر فيليبو على مارين لوبان تتحدث في أحد البرامج الحوارية السياسية على التلفاز عام 2007، وكانت تهاجم بشدة الاتحاد الأوروبي بالأسلوب المشاكس الذي أتقنته باعتبارها محامية، محذرةً الحكومة كي تتوقف "عن أن تتعامل مع الناس على أنهم مغفلون". اتفق فيليبو مع كل شيء قالته، وكان عليه أن يقابلها. بحث فيليبو عن بول ماري كوتو، العضو المحافظ بالاتحاد الأوروبي الذي دافع عن قضية السيادة الفرنسية والاستقلال عن أوروبا، وقدم له نفسه في إحدى حفلات توقيع الكتب. ثم بدأ بعد ذلك بقليل في مساعدة كوتو بموقعه الإلكتروني. عرف كوتو أن مارين لوبان كانت تبحث عن موهبة صغيرة في السن، فدعاهما إلى العشاء. من جانبها خشيت لوبان من أن شخصاً مثل فيليبو قادماً من مكان ذي خلفية حكومية قد يكون مرافقاً مملاً على العشاء. إلا أنه خلال وجبة العشاء التي احتوت على شرائح من اللحم وقطع الزيتون مقدمة على الأطباق المزخرفة في شقة كوتو الممتلئة بالتحف، والتي تقع على الضفة اليسرى، وجدت لوبان خلالها فيليبو فاتناً. وصف كورتو، الذي عارضهما في النهاية، المقابلة بأنها كانت كيمياء خالصة بينهما. درس فيليبو السيرة الذاتية للوبان، وكان مهتماً برواياتها عن تعرض منزلها عندما كانت تبلغ من العمر ثمانية أعوام للتفجير، بمتفجرات بلغ وزنها 20 كيلوغراماً، كانت تستهدف قتل والدها. وكيف أن المعلمين في المدرسة وصفوا بنات لوبان بأنهن "بنات الفاشي". أخبرها قائلاً "إنني معجب بما تفعلينه، وأرغب أن أكون مفيداً لكِ". أخبرني فيليبو قائلاً "تبلورت الأشياء سريعاً بيننا، على الصعيدين الإنساني والسياسي. إنها صريحة للغاية، ولا يوجد تظاهر". وصفت لوبان مقابلتهما بأنها نوع من الحب الفكري من أول نظرة. وما لبثا كثيراً حتى صار كل منهما يكمل عبارة الآخر. قال جين إيف ليجيلو، المفكر اليميني المتطرف المخضرم والموظف الحكومي الذي استقال من الجبهة الوطنية في التسعينات وعمل فيما بعد مع فيليبو بوزارة الداخلية "أعتقد أنه كان هناك تقارب أيديولوجي حقيقي على الفور بينهما". كان ليجيلو الزميل الوحيد الذي أخبره فيليبو عن مقابلته مع لوبان، وأيضاً الوحيد الذي علم عن دوره السري والمكثف باعتباره استشاريا لها لعامين عندما كان لا يزال موظفاً حكومياً. وبغض النظر عن الحقيقة التي تقول إن إبقاءه على وظيفته بالوزارة تزامناً مع عمله لصالح حزب سياسي كان ضد القانون، كان عليه أن يضع في عين الاعتبار السمعة المسمومة للجبهة الوطنية. في عام 2009، كانت لوبان المُطلَّقة مرتين تعيش خارج باريس مع أطفالها الثلاثة والعديد من القطط البنغالية، في مجموعة إسطبلات تم تعديلها لتكون منزلاً بأملاك والدها العقارية. كانت الجبهة الوطنية تُدار دائماً باعتبارها شأنا عائليا، فقد ترعرت بنات جان ماري لوبان وهنَّ غارقات في الحزب، كما تزوجن رجالاً مرتبطين بالحزب، وعملن لصالح الحزب. تشبه مارين، الصغرى، والدها في المظهر والشخصية. كما أن حبيبها الحالي، لويس أليوت، شخصية بارزة بالحزب. وصل فلوريان فيليبو إلى العشيرة شديدة التماسك باعتباره غريبا يشعر بقليل من الحرج، لكنه طموح ومتشبث برأيه. وكان عنصراً ثابتاً وحاضراً بانتظام في منزل لوبان، إذ كان يُدعى لحضور جلسات العصف الذهني التي تُنظَّم في المساء أو في نهاية الأسبوع مع تناول الكعك واحتساء الشاي أو الشراب. كانت لديه قدرة خاصة على كتابة تحليلات وملاحظات ملخصة سريعة وعميقة، ليجهز ما تقوله لوبان خلال ظهورها على التلفاز وفي المناظرات. كان لدى فيليبو شخصياً أسلوب الهجوم الفكري، والحذر الغريزي، الذي يضعه على أهبة الاستعداد. وحتى عندما يدخل في أطوار الكياسة، قلّما يتخلى عن أسلحته. إذ إن الوقت الوحيد الذي يبدو فيه مسترخياً يكون عندما يجلس بجوار لوبان. نحو الرئاسة شرعت مارين لوبان وفيليبو في رسم خط جديد للحزب عندما تولت في النهاية شؤون الحزب بعد أبيها. فقد تسبب جان ماري لوبان في زلزال سياسي عام 2002، عندما تمكن من الوصول إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. تذكرت لوبان حينما شاهدت في رعب مئات الآلاف من المتظاهرين الذين اجتاحوا الشوارع في مظاهرة احتجاجية، والذين صوتوا لصالح جاك شيراك لاحقاً؛ حتى يبعدوا والدها عن الفوز بالمنصب. لقد استطاعت أن ترَى أخطاءه، وأدركت الحاجة إلى إبعاد نفسها عن معاداة السامية التي طالما اتسمت بها الجبهة الوطنية، وعرفت مدى أهمية أن تجلب الحزب من الهوامش. لم يرغب أبوها في السلطة الحقيقية، لكنها كانت ترغب فيها. كان النموذج المثالي بالنسبة لمارين لوبان يقع في شمال فرنسا. فقد انتُخبت عندما كانت تبلغ من العمر 30 عاماً مستشاراً إقليمياً لبلدية هينان بومونت، وهي مدينة محبطة كانت في الماضي منجماً. أدركت لوبان أن الشمال الفرنسي الصناعي، الذي يصوت عادةً لليسار، قد يتحول نحو الجبهة الوطنية إن لم يقتصر موقف الحزب على مناهضة الهجرة، وهو الموقف الذي يشكل السلعة الأساسية التي يعتمد عليها الحزب لتسويق نفسه، بل أيضاً إذا اتخذ موقفاً مؤيداً لضحايا تقلص الصناعة والأزمة المالية. عرف فيليبو أيضاً، الذي ترعرع في الشمال، رغم أنه عاش في منزل جميل بالقرب من ملعب غولف، الأعداد الكبيرة المحتملة من الأصوات التي يمكن الحصول عليها بين الطبقة العاملة والطبقة الأدنى من الطبقة المتوسطة، وهم الأشخاص الذين يمتلكون وظيفة وربما منزلاً، والذين يخشون أن يفقدوا ما عملوا بجد من أجل تحقيقه، والذين يخشون أيضاً من الانزلاق لأسفل السلم الاجتماعي. رسم لوبان وفيليبو برنامجاً ركز على الحمائية الاقتصادية، والدولة القوية، والتحكم في الأسعار، والتقاعد عند سن الستين وزيادة المرتبات والمعاشات. وقد كان هذا بمثابة البيان الرسمي الذي شبهه الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند فيما بعد بـ"الدعاية الشيوعية في حقبة السبعينات". لم يقدما أية تنازلات حول الهجرة، لكن لوبان غيرت نبرتها، مركزةً بدلاً من ذلك على المصطلح الذي نحته الحزب وهو "أسلمة" المجتمع الفرنسي. كما أبقيا على العقيدة المركزية للجبهة الوطنية الداعية إلى إعطاء الأولوية في الوظائف والإسكان والرفاهية إلى المواطنين الفرنسيين. إلا أن لوبان وفيليبو رفضا وصف "اليمين المتطرف" وسعيا إلى إعادة تقديم الحزب باعتباره ليس يمينياً وليس يسارياً. كان كل شيء في الحزب تحت قيادة جان ماري لوبان يتم بشكل حدسي، إلى أن أظهر فيليبو اعتماداً جديداً من نوعه على البيانات والإحصاءات، وكان ضليعاً في توقع اتجاهات التصويت: شقيقه الأكبر داميان عمل لدى IFOP، واحدة من أكبر جهات استطلاعات الرأي في فرنسا. (عندما غادر داميان أخيراً وظيفته المتعلقة بالاقتراع العام الماضي، تبين أنه كان حاضراً وراء الكواليس في الجبهة الوطنية لسنوات). ويذكر جان إيف لو غالو، الذي زامل فيليبو في الوزارة، أنه في عام 2010، عندما بدأ فيليبو العمل مع لوبان، فقد قارنت الأخيرة صلاة المسلمين في الشوارع بالاحتلال النازي. لهذا، كانت لوبان قد حوكمت وعُزلت من منصبها لإثارتها الكراهية الدينية. ويقول لو جالو "صُدِمت جداً عندما قال لي في ذلك الوقت"، أنا وأخي أخبرنا مارين: "لا تقومي بهذا مرةً أخرى، وإلا سنرحل"، وأضاف "فقد بدا وكأنه يفرض نوعاً من أنواع السيطرة على طريقة مارين منذ ذلك الوقت". في يناير/ كانون الثاني عام 2011، عندما تولت لوبان أخيراً القيادة من والدها، لم يكن دور فيليبو ظاهراً على الساحة وقتها. في ذلك الربيع، وأثناء تناول وجبة إفطار مع عدد من الصحفيين في بارجة على نهر السين، دفعت لوبان به أخيراً إلى دائرة الضوء -على الرغم من أن ذلك تم تحت اسم مستعار- فقد تم تقديمه للصحفيين على أنه الشرارة الشابة المشرقة التي ساعدت في كتابة البرنامج الاقتصادي للحزب. بالنسبة لشخص قُدّم بهذه الطريقة المهيبة، جاء ظهوره الأول باهتاً نوعاً ما. بداية فاشلة على أعتاب الحملة الرئاسية يذكر هابيل ميستري الذي كان يعمل كمراسل للجبهة الوطنية لصحيفة لوموند آنذاك "أنه جاء متعرّقاً، وكان مضغوطاً بشدة". وأضاف: "كان معه جهاز كمبيوتر، وقام بالتقديم منه، وقام أيضاً بتوزيع ما قدمه على الحضور في أسطوانات مدمجة. كان هذا أكاديمياً للغاية وغامض ولم يفهمه أحد. سأل الصحفيون الاقتصاديون أسئلة لم يجب عنها، وقامت لوبان وقتها بالإجابة بدلاً منه، وقد كان هذا فشلاً ذريعاً… في هذه المرحلة، تساءل الجميع حول الشخص الذي من الممكن أن يكون قائداً لحملتها الانتخابية لعام 2012". كان الصحفيون يقولون "تخيلوا لو كان قائد الحملة هو ذاك الرجل الذي رأيناه في الإفطار، ألن يكون هذا مَرِحاً للغاية؟". وبعدها أعلنت لوبان في وقت لاحق أنه هو، ليتفاجأ الجميع بشدة من هذا الاختيار. عندما أصبح فيليبو قائداً لحملة لوبان الرئاسية لعام 2012، لم يكن حينها إلا عضواً عادياً في الحزب، فقط منذ شهرين. ولكن بعد ظهورها القوي في الجولة الأولى، إذ جاءت في المرتبة الثالثة بين المترشحين محققة ستة ملايين صوت، لم تشك مارين لوبان للحظة في أن فيليبو هو من صنع الفارق. ومن ثم، جعلت فيليبو الأكثر قوة بين نائبيها في الحزب، ليكون مسؤولاً عن وضع الخطط الاستراتيجية وسبل التواصل، وقد كان يبلغ من العمر حينها 31 عاماً. تحول فيليبو كان مذهلاً تحوّل فيليبو من كونه مفكرا من وراء الكواليس لكونه شخصية عامة مشهورة، مرتديا حلة زرقاء حادة، ورابطة عنق سوداء رفيعة. منذ عام 2012، بدأ في الظهور بصورة منتظمة في البرامج السياسية والإخبارية المتداولة، لتوصيل رسالة الحزب بشكل محدد وواضح. منذ البداية، نادراً ما كان يفوّت مناسبة للظهور على شاشة التلفزيون أو الراديو، ودائما ما كان يتحدث فيها بطلاقة وتَحَدٍّ بلا أخطاء، وكان يبدو شرساً للغاية في انتقاد خصومه. وسرعان ما أصبح يتلقى من 15 إلى 20 طلباً في اليوم الواحد للظهور الإعلامي. وقد أخبرني "كنت أشتكي من عدم دعوة الحزب للظهور الإعلامي على التلفاز بصورة كافية، وها أنا ذا الآن، أحاول التقليل من كم الطلبات الهائل للظهور". فهو دائماً في حركة ودائماً ما يتفقّد هاتفه باستمرار. كما كان دائم الظهور بجانب لوبان، وكثيراً ما كان يتبادل معها النظرات والنكات وكان يميل نحوها ليهمس في أذنها. وجرى تشبيهه بحاشية الملوك ذات الطراز القديم، ولكن أولئك الذين يخشون طموحه كانوا يلقبونه بفيليبو الأول. وقال هابيل ميستري من صحيفة لوموند "إذا لم يكتب أحد الصحفيين ما يريده فيليبو، سريعاً ما كان يوضع في القائمة السوداء، ويتوقف فيليبو عن الاستجابة لمكالماته". في الانتخابات الأوروبية عام 2014، تصدّرت الجبهة الوطنية استطلاعات الرأي بنسبة 24% من الأصوات. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا الحزب "أكبر حزب في فرنسا". وقد توسعت قاعدة ناخبيه لتشمل ناخبي الطبقة العاملة والعاملين في القطاع العام والشباب- وكل تلك المكاسب تُنْسَب إلى فيليبو. عناق مع بريجيت باردو في نهار سبت مشمس من مايو/ أيار الماضي 2016، على شرفة مطعم على جانب الطريق بالقرب من الحدود السويسرية، كان فيليبو ممسكاً بأحدث أسلحته الانتخابية؛ غوردون كلب السباق، بحبل أحمر اللون مصنوع من الجلد لقيادته. كان فيليبو ضيف الشرف في عطلة نهاية الأسبوع في "غداء وطني" في دوبس، دائرة شبه ريفية في شرقي فرنسا كانت مركزاً مزدهراً لصناعة السيارات الفرنسية. وسط مخاوف من فقدان المزيد من الوظائف، نمت حصة حزب الجبهة الوطنية من الأصوات بصورة منتظمة في جميع الانتخابات الأخيرة هنا. كان الكلب غوردون يلعب دوراً هاماً في حملة فيليبو الأخيرة لتوسيع قواعد دعم الحزب، إذ وجه من خلاله نداء إلى عدد كبير في مالكي الحيوانات الأليفة في فرنسا ودعاة الرفق بالحيوان، بما في ذلك هدفه الديموغرافي التالي- النساء وكبار السن. كما كانت مارين لوبان أيضاً تنشر صوراً لنفسها في المنزل مع قططها وهي تحتضنهم أو أثناء معانقتها لبعض الخيول. (أصبح فيليبو زائراً منتظماً لبريجيت باردو، نجمة أفلام الستينات من القرن العشرين، والتي أصبحت مدافعة عن حقوق الحيوان، ومؤيده للجبهة الوطنية، وبعد أول لقاء جمع بينهما في فيلّتها التي تقع في الريفيرا الفرنسية، نشرت باردو صورة لها وهي تعانق فيليبو). داخل المطعم، كان الجو احتفالياً. سكب العاملون بالحزب النبيذ للمؤيدين وقدموا لهم الدجاج الغيني، ومن بين المحتفلين، كان هناك الجنود السابقون والمعلمون المتقاعدون وأصحاب العقارات والأمهات الشابات وأصحاب الأعمال الصغيرة. ومن بين أولئك، كان هناك ميشيل (60 عاماً) وهو مهندس من قرية خارج بيزانسون، على الحدود السويسرية. اشتكى ميشيل من أنه قد رأى مؤخراً امرأة ترتدي النقاب في موقف سيارات مملوك لشركة ليدل، رغم القانون الذي يحظر على النساء ارتداء الأغطية التي تغطي الوجه بالكامل في الأماكن العامة. قائلاً "أنا وزوجتي نتقدم في السن ولن نكون قادرين على الدفاع عن أنفسنا، فهم لا يريدون فقط أن يغزونا، بل يريدون أيضاً فرض الشريعة". دائماً ما تقف الحراسة الشخصية التي عيّنتها الشرطة لفيليبو، بالقرب من بابه. منذ الهجمات الإرهابية في باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015، التي قد قتل فيها 130 شخصاً، تم توفير الحماية لفيليبو على مدار الساعة. وباستثناء مارين لوبان، فيليبو هو الشخص الوحيد في الجبهة الوطنية الذي تم منحه هذا الامتياز. بعد تناول الحلوى، وقف فيليبو مرتدياً قميصا أبيض مفتوح الياقة، ليتحدث في ميكروفون لاسلكي. وفي حين تعطي مارين لوبان الخطب المدوية في مسيرات واسعة، تُعد خُطَب فيليبو من النوع الذي يحفّزك بعد تناول العشاء، فهو ماهر في شحذ الجماهير بذلك النوع من الخطب السريعة. وقد قال فيليبو "بلدنا في خطر شديد جداً"، ووصف رؤية مروعة لفرنسا ( "كبار السن ببلادنا يفتشون في صناديق القمامة خارج محلات السوبر ماركت")، في حين يحاول الوطنيون إنقاذ الموقف. كلما مرت البلاد بفترة من الشك "أو الاختفاء التقريبي"، يقول: كانت فرنسا دائما قادرة على "طرد الدجالين المتواجدين بالسلطة واستبدالهم بأناس يحبون هذا البلد بحق"، ليهتف الجمهور ويصيح فرحاً. وقف الكلب غوردون منصتاً في أكثر اللحظات حماسةً. كان فيليبو قد اقترض ذلك الكلب من صديقه وحليفه في الحزب صوفي مونتل، وهو من قدامى المحاربين في الجبهة الوطنية وعضو بالبرلمان الأوروبي ويسكن في قرية مجاورة. وقد أخبرني مونتل أن "فلوريان فرض هيكلا فوضويا وغير منظم على هذا الحزب، فقد كان دائماً ما يفعل الأشياء في اللحظة الأخيرة". جيش فيليبو! تحوم حول فيليبو في الغداء مجموعة من العاملين، مرتدين حُللاً أنيقة وعلى مستوى عالٍ من التعليم ويحملون رسالة الحزب، واختارهم فيليبو بنفسه ووضعهم في هيكل الحزب. ونُشر مقال عنهم في مجلة LObs في مايو/ أيار عام 2016 -تحت عنوان "المساعدة! فيليبو استنسخ نفسه"- وأسعده ذلك، على الرغم من أن فكرة خلق جيش خاص به، من المخلصين له داخل الحزب قد أغضبت منتقديه. وبدلاً من إقامة حفلات العشاء هنا وهناك، يروّح فيليبو عن نفسه أحياناً بالذهاب للمدن الترفيهية مثل حديقة أستريكس، أو يحشد قواته من الشباب، للذهاب إلى مباريات الليزر الترفيهية في الأماكن المخصصة لذلك. وقال توماس لافال الذي يبلغ من العمر 23 عاماً "إنه يعطينا الكثير من العمل -فهو متطلّب جداً، ولكن إذا استطعت أن تثبت نفسك فسيثق بك سريعاً". لافال الذي لا يزال طالباً، هو أحد حماة فيليبو، وهو أيضاً المستشار الإقليمي في الشمال الشرقي، ورئيس بالشراكة لفرع حزب الجبهة الوطنية الذي افتتح مؤخراً، وسط الكثير من الجدل، في معهد العلوم السياسية في باريس. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، منع اعتصاماً لاتحاد الطلبة فيليبو من الحضور لمناظرة هناك. وقد أخبر ساشا غزلان -متحدثاً عن اتحاد الطلبة اليهود في فرنسا- صحيفة لوموند أثناء الوقفة الاحتجاجية أنه "رغم لغة التكنوقراط التي يتحدث بها فلوريان فيليبو، إلا أن الجبهة الوطنية ستظل هي الجبهة الوطنية، الحزب المعروف بالعنصرية، ومعاداة السامية، وبكونه أحد أحزاب اليمين المتطرف". في حزب يحوي جبهات متصارعة بداخله، أدرك فيليبو سريعاً أهمية بناء دائرة داخلية له يمكنه الوثوق بها، لذا قام باستدعاء شقيقه الذي كان يعمل باستطلاعات الرأي إلى الحزب، ثم والده، مدير مدرسة ابتدائية سابق، وهو الآن مستشار إقليمي في الشمال. على الرغم من أن "جبهة فيليبو" تهيمن على الحزب وأن استراتيجيته هي أساس ترشح مارين لوبان للانتخابات الرئاسية، إلا أن الاختلافات الأيديولوجية بين فيليبو وابنة أخي لوبان الطموحة ماريون ماريشال- لوبان لا تزال تتفاقم، فهي ضد الإجهاض والزواج المثلي. ويعتقد فيليبو أن هذه القضايا يمكن أن تتسبب في تخويف الناخبين الجدد، وينبغي أن تترك الآن. ينفي فيليبو وجود خلافات بينهما، إذ يراها "اختلافات بسيطة في الميول"، ولكن بالطبع لا تزال فرصة القنص قائمة لمن يريدون إثارة الفتن. في العام الماضي، لم يلق فيليبو بالاً لاهتمام ماريشال- لوبان بقضية الزواج المثلي؛ إذ رأى أن ذلك أقل أهمية لأعضاء الحزب من قضية "زراعة أشجار بونساي". وفي وقت لاحق، في مقطع فيديو تم تصويره في شقته، تحدث إلى الكاميرا حيث تواجدت على الطاولة بجانبه شجرة بونساي ليراها الجميع. هكذا يفوز.. في شرقي مدينة ميتز، بالقرب من الحدود الألمانية، وفي نهاية شهر مايو/ أيار 2016، هبطت الأمطار على فناء دير القرن السابع عشر الهادئ. تجمع الساسة المحليون في قاعة اجتماعات بالطابق السفلي، لمناقشة ميزانية منطقة غراند إيست التي تبلغ 2.5 مليار يورو. وهي المنطقة التي تمتد من مزارع العنب في شامبين نزولاً إلى الألزاس واللورين، والتي تضم خمسة ونصف مليون شخص، فهي تعد بذلك أكبر من بعض الدول الأوروبية. كانت الانتخابات المحلية الفرنسية عام 2015 نقطة تحول بالنسبة لحزب الجبهة الوطنية. إذ تصدر الحزب الجولة الأولى بنسبة 28% من الأصوات. وحذرت أحزاب الأغلبية من أن الحزب "العنصري والمعادي للسامية" سيُضعف فرنسا. انسحب اليسار من المناطق الرئيسية، وانضم لليمين لوقف فوز حزب الجبهة الوطنية بالسيطرة في أي منطقة. يقود فيليبو الآن، منذ انتخابه ليكون مستشاراً أقليمياً، أكبر حزب معارض في مجلس أقاليم جراند إيست. لكن بينما كان التجمع الإقليمي -الذي يديره الحزب الجمهوري اليميني المعتدل- يناقش الميزانية بالغة الأهمية للمدارس الثانوية والنقل والاستثمارات المحلية، كان مقعد فيليبو في المجلس فارغاً. إذ كان يبعد عن المجلس مسافة 300 كم في استوديو قناة Paris TV، في واحد من أشهر البرامج الصباحية السياسية في فرنسا. بدأت الجلسة بدونه. وكانت تلك هدية لمعارضيه الإقليميين، الذين يسمونه مستفيد باريس الانتهازي والذي ليس لديه روابط محلية حقيقية. قال نائب الحزب الاشتراكي، بيرنيلي ريتشاردوت، مبتسماً "بينما نحن ننتظر زميلنا اليميني المتطرف، دعوني فقط أقول إنني سعيد جداً لأن هذا الإقليم لا يديره اليمين المتطرف". استاء أعضاء المجلس من حزب الجبهة الوطنية من وصفهم "باليمين المتطرف"، وانفجروا غاضبين وبدأوا يضربون مكاتبهم بعنف وتعالت أصواتهم احتجاجاً. بعد عدة ساعات، جلس فيليبو في مقعده مباشرة بعد مجيئه بقطار فائق السرعة من باريس، كأن شيئاً لم يكن. وبعد دقائق، قام عضو من الحزب الجمهوري بوصف حزب الجبهة الوطنية "باليميني المتطرف" مرة أخرى. ضيّق فيليبو عينيه وانحنى صوب الميكروفون أمامه وقال "أطالب بتعليق هذه الجلسة حتى يأخذ العضو المنتخب وقته في التفكير في خطورة ما قد قيل تواً" ووقف فيليبو واندفع خارجاً وتبعه 45 عضواً في المجلس دفعة واحدة. عندئذٍ صاح عضو مجلس من الحزب الاشتراكي بابتسامة عريضة وفاركاً يديه بابتهاج قائلاً "أوه، إنه غاضب". بعد حلول الليل، عندما بدا أن جلسة البرلمان هذه لن تنتهي أبداً، قدّم عضو في حزب الجبهة الوطني اقتراحاً استفزازياً، وهو أنه يجب وضع قائمة بأسماء جميع الأشخاص الذين يُعتقد أنهم أصبحوا متطرفين وأُدرجوا في ملفات المخابرات "السرية" وتُعمم على المدارس الثانوية ليتمكن العاملون بها من التحقق إن كان أي من هذه الأسماء ضمن موظفيها. عندئذِ صاح عضو من الجمهوريين "وضعنا نجوما صفراء على الناس في مرحلة معينة من تاريخنا. وأنت لست ببعيد عن ذلك بملفاتك السرية تلك!". قاصداً مدينة ميتز الفرنسية، التي كانت على الجبهة في الحرب العالمية الأولى والثانية، إذ كانت حساسة للغاية تجاه أي إشارة للاحتلال النازي. عندما سمع أن حزبه يتم ربطه بالنازية، نهض فيليبو، واندفع خارجاً من المجلس، ومرة ثانية تبعه أتباع حزبه المخلصون من أعضاء المجلس. وشرح ذلك في الممر "أنا أفعل ذلك بانتظام، في كل مرة يصفوننا باليمين المتطرف، أخرج من القاعة، إنها إهانة لنا، وإهانة أكبر لناخبينا". بدا أن تلك الاحتجاجات المتكررة مضيعة للوقت. وعندما فشل المجلس في إقرار القانون صباحاً جعل ذلك من فيليبو هدفاً سهلاً لمنتقديه. قال متجاهلاً "إنها أول مرة لا أكون فيها هنا، إنهم يحتاجونني، إنهم سيضيعون بدوني". استضاف فيليبو حفلاً لحزب الجبهة الوطنية للاحتفال بخروج بريطانيا من الاتحاد في حانة باريسية صغيرة، ليلة تصويت بريطانيا للخروج من الاتحاد وقبل حتى غلق أبواب الاقتراع. كانت مارين لوبان هناك، تبتسم وتضحك، وتأكل السمك والبطاطا وتلوّح بالعلمين البريطاني والفرنسي. قال فيليبو في وقت لاحق إنه كان هناك لحظتان هامتان في حياته بكى فيهما، الأولى عند وفاة والدته عام 2009 والثانية هي دموع الفرح عندما صوتت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي. قال لي في صباح اليوم الذي تلى التصويت "نحن نفرح عندما نرى شيئاً يحدث في دولة أوروبية كبرى، وهو نفس الشيء الذي نعتزم عمله في فرنسا، نحن سعداء للغاية". كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي برهاناً على صحة استراتيجيته الخاصة، أن المستقبل للأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا كلها، العولمة فشلت وعادت الدولة القومية. ترأس فيليبو، هذا الشهر، اجتماعاً للعاملين في الحزب في مدينة لويزي في معاقل البيكاردي الشماليين، إذ إن شعبية حزب الجبهة الوطني فيها آخذة في الارتفاع. وقال فيه "يفكر غالبية الشعب الفرنسي مثلنا". لكن أكثر من نصف الشعب الفرنسي لا يزال يرى الحزب على أنه خطر على الديمقراطية والثلث فقط يؤمن أنه قادر على الحكم. ستعتمد حملة لوبان، والتي ستبدأ بشكل جاد في فبراير/ شباط، بشدة على زعم فيليبو بأنه يمكنه تحييد العداء والفوز بأصوات الفئات الصامتة من الناخبين. لكن بالنسبة للبعض، تخفيف رسالة حزب الجبهة الوطنية لن يساعده في الفوز. قال المفكر اليميني المتطرف جان- إيف لوغالو "لقد شرع في تخفيف حدة النقاش، لكن لم يؤد تخفيف حدة النقاش إلى انفصال بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز ترامب" وتابع "لقد كان العكس تماماً". - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .