عندما اجتاح مقاتلو تنظيم داعش الموصل عام 2014، دخلوا صالة البلياردو التي يملكها مناف يونس، وأعلنوا أن هذه اللعبة حرام وأخذوا معهم كرات البلياردو ووجهوا له إنذارا شديد اللهجة. فجأة أصبحت الصالة مهجورة بعد أن كانت تغص باللاعبين في كثير من الأحيان حتى منتصف الليل. ولمدة عامين علا التراب صور لجوائز كان يونس يفتخر بها وظلت مناضد البلياردو مغطاة. والآن أخرجت القوات الحكومية العراقية المتطرفين من شرق الموصل وأصبحت تتأهب لمهاجمة شطرها الغربي. ورغم الفرحة التي بدت على يونس مثل كثيرين غيره من أصحاب الأعمال الصغيرة في المدينة فإن هذه الفرحة يكبلها الغموض الذي يكتنف مساعيه لإعادة حياته إلى سيرتها الأولى. كان تنظيم داعش قد فرض تفسيره المتشدد للشريعة الإسلامية في الموصل، ثانية أكبر المدن العراقية، بعد أن جعل منها عاصمته الفعلية فمنع تدخين السجائر والتلفزيون والراديو وأرغم الرجال على إطالة لحاهم والنساء على تغطية أجسادهن من الرأس إلى أخمص القدمين. قال يونس وهو يرفع تذكارا من بطولة يعيد إليه ذكريات الأيام الخوالى أنا مفلس. اضطررت لبيع سيارتين كنت أملكهما لكي أعيش. والآن يطالبني صاحب السكن بإيجار متأخر لعامين. قطب يونس جبينه عندما ترددت في البعد أصداء انفجارات إذ تتبادل القوات العراقية والمشتددون النيران على امتداد نهر دجلة الذي يقسم المدينة إلى شطرين. وكانت الموصل قبل اجتياحها مركزا تجاريا ومركزا للتعليم العالي. وقال يونس هذه الانفجارات تضر بالنشاط. فهي تهز مناضد البلياردو وتخل بتوازنها. وتسبب القتال بالفعل في دمار واسع. فقد تهدمت عشرات المباني في القصف الجوي لطائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وأحدث القصف حفرا ضخمة دمرت الطرق. وانهارت أسقف مبان على الأدوار السفلى. وبدت على مبان أخرى فتحات أحدثتها الصواريخ ونيران المدافع الرشاشة. ولا تزال قذائف المورتر تسقط على المدينة وأصداء النيران تتردد. وعلى الناحية الأخرى من صالة البلياردو يقع ما تبقى من جامعة الموصل التي كانت في وقت من الأوقات من أرقى المؤسسات التعليمية في الشرق الأوسط. وقد باع تنظيم داعش المخطوطات الأثرية التي كانت بالجامعة وفرض نظاما تعليميا خاصا حظر فيه تداول كتب الفلسفة. وعندما وصل الجيش أحرق المتشددون الكثير من مباني الجامعة وتركوها أكواما من الرماد. وتناثرت على الأرض بضع صفحات من كتب جامعية عن علم أمراض الدم واختلطت بالركام. وفي طابق علوي حيث تقع الكافيتريا كانت الموائد والمقاعد محترقة تحت فتحات ضخمة في الأسقف من جراء الغارات الجوية. ووقف عدد قليل من أصحاب المخابز والمطاعم في الحي بلا عمل. وراحوا هم أيضا يتذكرون ما مروا به من صعوبات في ظل حكم تنظيم داعش. وقالوا إن المتشددين وزوجاتهم كانوا يظهرون فجأة وهم يحملون بنادق كلاشنيكوف ويقفزون إلى الصفوف الأمامية ويطالبون بتخفيضات في الأسعار. وقال قصي أحمد الذي يملك مطعما إن المتشددين جروه جرا إلى سجن تابع لهم وعذبوه أربعة أشهر بعد أن اتهموه بالسرقة. وأضاف انتزعوا أظافر قدمي. ربما يكون الجلادون قد اختفوا لكن تحديات جديدة ظهرت إذ ليس لديه أو لدى أصحاب المطاعم الأخرى مصدرا لمياه الشرب كما أن الكهرباء شحيحة ولا يوجد زبائن تقريبا.