إن السياسات الثقافية في منطقة الشرق الأوسط قد تتطلب التعامل مع الاتجاهات الأصولية الصاعدة التي قد تؤسس للخطاب العالمي، وحقوق الإنسان، ومعوقات الديمقراطية، والقضايا الشائكة المتعلقة باللغة والقومية والغيرية والآخر، واختلاف الثقافات والمناطق الحدودية، التي يمكن أن تحدد الهوية الثقافية من منظور الرؤية المجتمعية حيال التفاعل الاجتماعي بين الأنظمة المكونة للشخصية وأبعادها، في ظل الاستعدادات المرحلية لعملية تجديد / تحديد التراتبية السلطوية عبر سلسلة من الوسائط المحلية، التي تمثلت على شكل أنماط ثقافية، ورموز اجتماعية. فعادة لا تخلو المجتمعات لتسلسل تراتبي للسلطة من المنافسة أو الانشقاق، فحقائق الوصف الثقافي ذات مغزى لمجتمعات تأويلية بعينها في ظل ظروف تاريخية محددة، وكما يقول أهل التاريخ ذي الأساس البراغماتي: "لا جدوى من الحقائق التاريخية إن لم تكن في خدمة الأهداف العملية". وهكذا نجد أن "التحدي الأكبر الذي يواجه في أنثروبولوجيا تاريخية لا يتمثل فحسب في معرفة الكيفية التي تنظم بها الثقافة الأحداث، وإنما أيضاً في كيف تنجز العملية من خلال إعادة ترتيب الثقافة؟ وكيف تؤدي إعادة إنتاج أي بنية إلى تغييرها؟". ولذلك نجد التجارب الفردية قد ترتبط من وجهة النظر الرومانسية للتاريخ؛ حيث يرفض الرومانسيون الخضوع للحقائق العلمية الثابتة، أو القيم الإنسانية المشتركة، فالمعرفة تُبنى ثقافياً، وهي نسبية ثقافياً أيضاً، فلا توجد قضايا مطلقة أو قضايا كونية. ويتعين أن يُعامل العلم نفسه كخطاب ثقافي ذي غرض أيديولوجي، فالوضعية أيديولوجية رأسمالية وإمبريالية وللطبقات السلطوية تعمد إلى إفراغ المعنى البشري، ولكن لا تستند ادعاءاتها إلى الموضوعية والسلطة، كما لا تستند إلى شيء أكثر جوهرية من البلاغة الخطابية. والمناشدات العلمية ليست سوى مسرحيات مُقنعة للسلطة، أي استراتيجيات لفرض مجموعة واحدة من القيم على العالم بأسره. وبأسلوب رومانسي مميز، ينتقد كليفورد "إدوارد سعيد" ما يصفه بإنسانية مملة؛ إذ يصر سعيد على القيم العالمية، ولا يشعر بالارتياح إزاء سياسات الهوية، ويتساءل قائلاً: "ترى هل فكرة وجود ثقافة متميزة (أو عِرق أو دين أو حضارة) هي فكرة نافعة؟ أم ترى أنها تنخرط على الدوام في تهنئة الذات (عندما يناقش المرء نفسه) أو في العنف والعدوان (عندما يناقش المرء "الآخر")، ويشير إلى إمكان استخدام الانجذاب إلى الهوية الثقافية "لتعبئة المشاعر العاطفية على نحو رجعي"، أي دعوة الناس إلى الحرب. ووفق كليفورد، يصر سعيد بشدة على القيم الإنسانية المشتركة إلى حد لا يترك له لغة للكتابة عن الاختلاف على نحو مناسب، لكن كليفورد نفسه يواجه صعوبة مماثلة بالنسبة إلى تحديد ما يشترك فيه الأفراد، ويعترف قائلاً: "إن التأكيد على الطبقة التناقضية للمعرفة الإثنوغرافية، لا تعني التشكيك في أي أسس ثابتة أو رئيسة للتشابه الإنساني". وأخيراً، فسعيد في نهاية الأمر مواطن عالمي، يطالب برد إنساني مشترك على المآزق الإنسانية، ويختار كليفورد الاختلاف على حساب ما يصفه ساخراً بالمواطنة العالمية. ومن ناحية أخرى، على مستوى التجارب التاريخية للمجتمعات، هنالك مَن لم يرحب بالضرورة على الاختلاف الثقافي في مجتمعات ما بعد الاستعمار؛ بل العداء إزاء الترحيب بالاختلاف الثقافي، الذي كان غالباً ما يُستغل من سياسة "فرّق تسُد". وفي جنوب إفريقيا دعمت لغة "الهوية الثقافية"، وأيديولوجية "القدر الثقافي" طغياناً شنيعاً، وربما شعر المهاجرون للغرب بالاضطراب أيضاً من جراء حضّهم على الاعتزاز باختلافاتهم والبناء من فوقها، وذلك في الوقت الذي، ربما، يستمتعون فيه بفرصة أن يصبحوا مواطنين غير موصوفين بأصولهم. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.