--> يعتبر المفكر الراحل محمد عابد الجابري ان التراث له مضمونان: مضمون معرفي ومضمون ادلوجي. المضمون المعرفي ميت، لان كل معرفة سابقة لمرحلتنا المعاصرة هي معرفة ميتة.. أما المضمون الادلوجي فهو ادلوجيا.. والادلوجيا زمانها المستقبل فهي تعيش مستقبلها في حاضرها.. في صورة حلم والحلم لا يعترف بطبيعته باطار الزمان والمكان. وقد وسع الباحث الايراني عبدالكريم سروش هذه الرؤية فاعتبر ان كل ما بقي من الحضارات السابقة هو الدين فقط. ما معنى هذه الرؤية؟ معناها ان جميع الاجوبة التي ولدت القناعات القديمة ولايزال بعضها فاعلا حتى الآن.. هذه الاجوبة قد ماتت لأنها تستند الى مضمون معرفي قد مات بالاضافة إلى ان الاسئلة المطروحة الآن هي أسئلة الحاضر. ومعناها ان جميع المفاهيم التي تحرك اذهاننا وسلوكنا هي مفاهيم تستند الى نظام معرفي جديد لم نصنعه نحن بل اخذناه ورحنا نطبق بعضه تطبيقا عشوائيا أو ناقصا. ولأن هذه المفاهيم لم تنشأ من الثقافة التاريخية لمجتمعات الحضارات.. القديمة بل حدث اقتباسها لا يمكن ان تنبت بصورة باسقة لان الوجدان الجمعي لم يتشرب بعد هذه المفاهيم.. وهذا ما يجعلنا نفهم بوضوح لماذا لا تحرك هذه المفاهيم مجتمعا ما لحمايتها والنضال من اجل انغراس جذورها في التربة الوجدانية الجماعية. لماذا لا يحرك بعض المجتمعات - مثلا انتهاك حقوق الانسان ونكران حقوق المرأة وسائر المفاهيم التي انغرست والى الابد في وجدان وسلوك مجتمعات أخرى. الجواب واضح ذلك لان المفاهيم تحاول الانغراس في الوجدان وقد يكون الوجدان منغرسا بالشوك الخرافي... وازاحته تحتاج الى اجيال. وما يفرح بعد كل هذا ان الربيع العربي لم يزل ربيعا حتى الآن وهو من ثمار المفاهيم الجديدة. مقالات سابقة: محمد العلي : -->