النسخة: الورقية - دولي في مجالَيْ الأمن والدفاع، يبدو الرئيس شي جينبينغ الأقوى بين الرؤساء الصينيين منذ دنغ كسياوبينغ (الزعيم السابق مخطط الإصلاحات التي انطلقت عام 1979). الاجتماع الموسع الثالث للحزب الشيوعي (تشرين الثاني- نوفمبر 2013)، منح شي سلطات وصلاحيات في مجالي الدفاع والأمن وأنشأ مجلس الأمن القومي المكلف الإشراف على السياسات المتعلقة بالأمن الداخلي والدفاع والديبلوماسية (يرأس شي المجلس، وكان على رأس اللجنة العسكرية المركزية، الجهاز الأعلى في قيادة الجيش). وتَشي حقيقة أن الرئيس ومنذ سنته الأولى في الحكم، أفلح في إطلاق مشروع مجلس الأمن القومي، بالكثير عن امتداد نفوذه السياسي وتأثيره ليس على الجيش فحسب بل أيضاً على المعوقات التي وقفت ضد إنشائه. ويضاعف العسكريون الصينيون منذ أعوام استفزازاتهم اللفظية ضد البلدان التي تخوض بكين ضدها نزاعات إقليمية. وبدا في حالات كثيرة ضباط جيش التحرير الشعبي كمن يفتعل الحوادث البحرية من دون إبلاغ المسؤولين المدنيين. جيش غير منضبط وبعنجهية لا يمكن قياسها، في وقت تزداد موازنته السنوية زيادات مدهشة من قبل نظام يشعر بقلة ثقة في نفسه، نادراً ما يكون عنصر استقرار واعتدال. لذا، ليس مدهشاً على الإطلاق أن تعتبر أحلام العظمة التي تراود الجيش الصيني خطراً على استقرار المنطقة. يمكننا أن نأمل بنجاح شي بفضل سلطته غير المنازع عليها على القوات المسلحة، في أن يلعب ورقة التهدئة. يبد أن مركزة كل السلطات في الأمن والدفاع بين يدي شي لا تخلو من خطر. ذلك أن الرئيس تعهد تعهداً حماسياً «تحقيق النهضة الكبرى للأمة الصينية» أثناء خطابه عن «الحلم الصيني» الموجه لتلميع صورة الحزب وتأكيد إمساكه بالسلطة. يمر هذا الحلم بالضرورة عبر الهيمنة العسكرية للصين على آسيا. مسألة مقلقة أخرى: تصدر فكرة النهضة عن قناعة بأن القوة الإمبراطورية الصينية هي الحالة الطبيعية للأمور بالنسبة إلى حضارة قديمة تبلغ من العمر 5 آلاف سنة. ولا يعني ذلك فقط الاستيلاء على التيبت وإقليم كسينجيانغ بل أيضاً فرض سيطرة البر الصيني على تايوان والتشبث بالمزاعم الإقليمية في بحر الصين. وأبلغ شي وسائل الإعلام الرسمية، عند إعلانه إنشاء مجلس الأمن القومي، أن على الصين أن تواجه الضغوط الخارجية التي تهدد سيادتها إلى جانب المشكلات الداخلية التي تهز البلد وأمنه وتطوره الاقتصادي. المطالب الإقليمية الصينية من بلدان مثل اليابان والفيليبين وفيتنام وحتى الهند، هي الأهم عند المجلس. ولا يقتصر دور المجلس على مأسسة عملية اتخاذ القرار في مجالي الأمن والدفاع، بل يتعداها إلى ضمان التنسيق الفعال بين كل أجهزة السلطة. ووفق ما قال مسؤولون صينيون فإن على «الإرهابيين والمتطرفين والانفصاليين» أن يستعدوا لأن هذه الهيئة الجديدة ستنظم الصراع ضد «كل أولئك الساعين إلى تقويض الأمن القومي في الصين وتخريبه». ونستطيع تصوُّر أن يكون مسؤول طموح في صين آخذة في التوسع يبحث عن فرص فرض سلطته فرضاً مؤثراً. لكن البناء العسكري للصين هو الأسرع في التاريخ في زمن السلم وعندما تنمو قوة ما، تميل إلى إرضاء طموحاتها. وعلى غرار كل القوى الكبرى، تحتفظ بكين بحق لجوء اختياري إلى القوة. وثمة أصوات نافذة فيها تصر على القول إن السلام في المنطقة ضروري لنجاح تلك النهضة للأمة الصينية. ويعي شي منطق السلام، لكنه يدرك أيضاً إمكان الحرب إذا صدّقنا الأهمية التي يعلقها على الجيش في رؤيته للقوة الوطنية. وإذا رغب شمال شرقي آسيا في أن ينجو من هذا المصير، عليه التوقف عن الإيمان بأن الحرب ليست غير نتيجة لسلسلة من العواقب المأسوية. * أستاذ في جامعة سيدني، عن «ذي أوستراليان» الأسترالية، 20/3/2014، إعداد حسام عيتاني