في مثل هذا الشهر قبل ستة عشر عاماً، ولدت الموسوعة الرقمية الأكبر في العالم ويكيبيديا والتي تعتبر أحد أعظم المشاريع الثقافية التي قدمت خدمات جليلة للإنسانية. كان مؤسسا ويكيبيديا جيمي والاس ولاري سنقر يهجسان في ذلك الوقت بمشروع ثقافي علمي يتمثل في موسوعة رقمية يحررها الكل ويستفيد منها الجميع، لكنهما لم يعلما بأن تلك الموسوعة ستصبح ذات أهمية بالغة في حياة الناس وأنها ستصطف جنباً إلى جنب مع المشاريع الأخرى العظيمة التي غيرت حياة العالم كمحرك البحث قوقل وأرشيف البشرية المرئي يوتيوب. بدأت هذه الموسوعة الرقمية المفتوحة في منتصف شهر يناير من عام 2001، راقت الفكرة لمستخدمي الانترنت وتفاعلوا معها بشكل رائع، إذ لم تكد تنتهي تلك السنة إلا وأصبحت الموسوعة تضم 20 ألف مقالة بثماني عشرة لغة. ليقفز العدد إلى 250 ألف موضوع في عام 2004 ومليون في عام 2006. فيما وصل عدد مشاهدتها حالياً الى مئات المليارات لتصبح الترس الأهم في آلة المعرفة. هذه الموسوعة هي مثال حي للأفكار البسيطة التي تغير مجرى التاريخ. فهي ليست سوى صفحات يحررها القراء دون رقابة. كما أن تكلفة تشغيلها ومتابعتها ليست عالية إذ لا تتجاوز الستة ملايين دولار في السنة. ورغم إمكانية تحقيق مليارات الدولارات كأرباح من خلال فتح المجال للإعلانات في الموقع، إلا أن والاس مصر على أن تبقى خالية من الدعايات لكي لا تفقد مصداقيتها، كما يبدو أنه مصر أيضاً على عبارة ليست للبيع ليقطع كل طريق على تجار الديجيتال ويضحي بعشرات المليارات التي قد يجنيها من خلف بيع الموقع. ومع أن ويكيبيديا ليست مرجعاً موثوقاً كحال الموسوعات العلمية التقليدية، ورغم أن الأكاديميين في الغالب يحذرون تلاميذهم من الإحالة عليها كمرجع بسبب طبيعتها التي تسمح للجميع في التدخل بالمحتوى، إلا انها تظل إضافة كبيرة للإرث الإنساني ومرجعاً مهماً يمكن الانطلاق منها نحو البحث بشكل أعمق في موضوع ما. مؤسسا ويكيبيديا قدما للبشرية خدمة عظيمة لكن يجب أيضاً أن لا نغفل الفضل الكبير لأولئك الجمهور الواسع من الخبراء والباحثين بل والعامة أيضاً الذين يتبرعون بجزء من وقتهم للكتابة فيها وإثرائها. وأخيراً، كل منا يملك خبرة ومعرفة في فن ما، وزكاة هذا العلم هو المساهمة في هذه الموسوعة العظيمة ولو بمقالة واحدة. كل عام وويكيبيديا ومؤسسوها والمشاركون فيها وأنتم بخير وعافية وازدهار.