كشفت العمليات العسكرية الأخيرة لجبهة «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقًا) ضد الفصائل العسكرية المعارضة في شمال سوريا، عن تشابه كبير في الاستراتيجية العسكرية للجبهة مع استراتيجية تنظيم داعش العسكرية لناحية قضم المناطق وتفكيك مناوئيها. وهذا ما يشير، وفق باحث متابع لحركة الجماعات المتشددة التقته «الشرق الأوسط»، إلى أن الجبهة و«داعش» يتمتعان بنفس الخبرات التي تلتقي أيضا مع خبرات قياديي «القاعدة» في العراق. الباحث عبد الرحمن الحاج شدد على التشابه في آلية القتال والتخطيط، قائلا: «المخططون في داعش والنصرة هم أنفسهم، يتمتعون بنفس الخبرات العسكرية... وفي التنظيمين هم من الأجانب، وخبراتهم الميدانية اكتسبوها من القتال في العراق، التي هي الساحة الوحيدة التي منحت المتشددين تلك الخبرات ورفدتها بخبرات الجيش العراقي الذي تفكك في العام 2003». وأكد الحاج أن هذه الخطط «قائمة على معرفة، وليس على ردود فعل، وتماثل خبرات ونظريات الجيوش الحديثة». من جهة ثانية، يؤكد العارفون بأمور «فتح الشام» هذه المعلومات، إذ أكد مصدر عسكري معارض في شمال سوريا لـ«الشرق الأوسط» أن القيادي الذي يتولى مسؤوليات التخطيط العسكري في الجبهة «عمل بالفعل في أفغانستان والعراق مع تنظيم القاعدة...، هو أبو قتادة الجولاني، الذي يتولى حاليًا موقع المساعد الأول لزعيم فتح الشام أبو محمد الجولاني للشؤون العسكرية»، وشدد على أن من بين صلاحياته «التخطيط للعمليات، وتحريك الأرتال، وعزل قادة القطاعات وتعيين آخرين». وأردف المصدر نفسه أن «أبو قتادة كان موجودًا في أفغانستان قبل أن يشارك في عمليات عسكرية مع تنظيم القاعدة في العراق مع أبو مصعب الزرقاوي»، وأن هذا القيادي «هو أول مَن عارض مقاتلة داعش إثر الخلافات بين الطرفين المتشددين». ووفق التقارير، تسير استراتيجية «النصرة» – أو «فتح الشام» – الآن وفق مخطط واضح لعزل الفصائل المعارضة في مواقع ضعيفة، بهدف طردها، من غير التوسّع في عمليات شاملة ستفضي إلى تشتتها. ويوضح عبد الرحمن الحاج قائلا: «على هذا الأساس، بدأت (الجبهة) عملياتها من ريف محافظة حلب الغربي، حيث تعتبر الفصائل محاصرة من الجهتين الشمالية- بوجود ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية، والشرقية، حيث يتواجد النظام». وأردف أن اختيار هذه المنطقة «جاء بهدف عزل الفصائل، بالنظر إلى أن إزالة تكتل الفصائل في ريف حلب الغربي، يمنع تكتل الفصائل ضد (النصرة) ويضعف قدرات الفصائل على التجمع والحشد، حيث سيصار إلى قطع مناطق اتصالها وإمداداتها في محافظة إدلب، فضلاً عن أنه يوفر للنصرة اتصالاً بالمنطقة الشمالية حيث من المتوقع أن توسّع (درع الفرات) عملياتها لقضم مناطق سيطرة ميليشيات الأكراد في تل رفعت ومنّغ وصولاً إلى أعزاز». وتابع الحاج شارحًا «وجود النصرة في الريف الغربي لمحافظة حلب، يعطيها فرصة لبدء ترسيم نفوذها، فهي تسعى لبسطه من ريف حلب الغربي باتجاه إدلب، وتحرص على بسط وجودها في الريف الشمالي لمحافظة إدلب بهدف بناء قناة اتصال حدودية خارجية (مع تركيا)، كما سيوفر لها وجودًا قريبًا من الملاذات الآمنة في جبال محافظة اللاذقية»، موضحًا أن جبهة النصرة – أو «فتح الشام» - «تعمل وفق مخطط التقسيم على مراحل، لترفد نفسها بقوة استراتيجية لا تتعرض للاستنزاف ولا تشتت نفسها في مناطق واسعة، قد تحرمها من التمدد في مناطق سهلة وضيقة ومحدّدة ضمن معطيات عسكرية متوفرة لديها». قتال فصائل المعارضة الجدير بالذكر، أن دفع الهجوم العنيف للجبهة على «جيش المجاهدين» و«الجبهة الشامية» في ريف حلب الغربي دفع الفصيلين إلى الخروج من المنطقة والاحتماء بحركة «أحرار الشام» تحت ضغط الخسائر التي تعرضا لها. واستقرت خريطة التوزع الميداني في هذا الوقت كما يلي: تسيطر الجبهة عل مناطق واسعة في ريف حلب الغربي وريفي محافظة إدلب الشرقي والغربي (بالكامل) ومن ضمن الأخير مدينة جسر الشغور ومحيطها المتصل بريف اللاذقية. وفي المقابل، تسيطر «أحرار الشام» على كامل الريف الشمالي لمحافظة إدلب، الحدودي مع تركيا، وصولاً إلى بلدة سرمدا، بينما تتوزع خريطة النفوذ في الريف الجنوبي لإدلب على فصائل «صقور الشام» و«أحرار الشام» و«تجمع فاستقم كما أمرت» وغيرها من الفصائل المنضوية تحت لواء «الجيش السوري الحر»، وهي موجودة على تماس مع «جند الأقصى» (القريب من فتح الشام) الموجود في الريف الشمالي الغربي لمحافظة حماه. وإثر الهجمات العسكرية، تتبع «أحرار الشام» سياسة الاحتواء، إذ تبتلع الفصائل وتؤمن لها الحماية، مقابل تسليم الأرض والمقرات فارغة للجبهة. وللعلم، لم تعلن «أحرار الشام» النفير ضد «النصرة» حتى الآن، بل تمارس سياسة التهدئة وحماية الفصائل الأخرى «منعًا لانشقاقات في داخلها بين عناصر وقياديين متشددين يتشاركون مع النصرة الآيديولوجية نفسها، وبين عناصر وقيادات سوريا». في هذه الأثناء، وفق الاستراتيجية المرسومة، تستكمل «فتح الشام» – أو النصرة - عملياتها، في محاولة للسيطرة على كامل ريف حلب الغربي، حيث أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن الجبهة كثفت حواجزها بريف المهندسين الثاني في غرب حلب، وطالبت الفصائل المتمركزة هناك بإخلاء مقراتها. وشكلت الفصائل العاملة ببلدة الأتارب بريف حلب الغربي «قوة طوارئ مدنية» تضم أبناء بلدة الأتارب بإشراف المجلس الثوري في البلدة للعمل على دعم قرارات المجلس الثوري والمحكمة الشرعية والحفاظ على أمن الاتارب وحمايتها. بموازاة ذلك، تجددت الاشتباكات على أطراف بلدة إحسم في جبل الزاوية، بريف إدلب، في محاولة لعناصر «جبهة فتح الشام» التقدم والسيطرة على مقرات ألوية «صقور الشام»، وتركزت الاشتباكات، بحسب ما أفادت «شبكة شام»، في المنطقة الواقعة بين بلدتي إحسم ودير سنبل، في حين سقطت قذيفتا هاون بين منازل المدنيين في بلدة إحسم. وواجهت حملة الجبهة على عدد من الفصائل الثورية مقاومة كبيرة، بعكس الحملات السابقة قبل سنوات، وفعلاً دخلت الحملة على «جيش المجاهدين» و«صقور الشام» يومها الخامس وسط ارتفاع في الفاتورة البشرية. ونقلت شبكة «الدرر الشامية» عن مصادر قولها، إن 9 عناصر من «فتح الشام» على الأقل قُتلوا خلال المعارك مع فصائل مدينة معرة النعمان بريف إدلب التي انتهت بإخراج الجبهة من المدينة، كما قُتل 4 عناصر خلال المعارك بالقرب من بلدة حربنوش بريف إدلب الشمالي، كما خسرت الجبهة 22 من عناصرها خلال محاولاتها المتكررة اقتحام منطقة جبل الزاوية، بالإضافة إلى دبابتين ومدفعين عيار 23.