الخرطوم / محمد الخاتم / الأناضول بعد عودته من منفاه الاختياري بالقاهرة، كان واضحاً حرص الصادق المهدي على إظهار نفسه كزعيم للمعارضة معترف به من كل فصائلها لاسيما تلك المسلحة التي كانت قبل سنوات قلائل تتهمه بـ"مهادنة" النظام. وخلال مخاطبته الآلاف من أنصاره الذين احتشدوا، أمس الأول الخميس، في ساحة عامة لاستقباله بعد 30 شهرا من الغياب، قال زعيم حزب "الأمة القومي" إنه بات يمثل ما أسماه "حزب السودان". وكان الرجل يشير إلى تحالفاته التي عقدها خلال بقائه خارج البلاد مع فصائل المعارضة، حيث أقرّ في خطابه بتحول "الجفوة" معها إلى "ود". وبدأ المهدي بناء هذه التحالفات بعد مغادرته البلاد في أغسطس/ آب 2014، رداً على اعتقاله لنحو شهر في مايو/ آيار من نفس العام بسبب اتهامه لقوات حكومية بارتكاب تجاوزات ضد المدنيين في مناطق النزاعات. وكان احتجاز الرجل الذي يتمتع بزعامة دينية وسياسية مفاجئاً للأوساط السياسية، لجهة أنه كان محتفظاً بتواصل ما مع الحكومة تسبب في توتر أو حتى قطيعة بينه وبقية فصائل المعارضة. فالمهدي كان يعطي الأولوية إلى تسوية متفاوَض عليها مع النظام، عوضاًَ عن خيار الانتفاضة الشعبية الذي تتبناه بقية تشكيلات المعارضة، وحجته في ذلك منع انزلاق البلاد إلى "فوضى" على غرار الدول التي شهدت "ثورات الربيع العربي". وارتكزت حجة المهدي وهو آخر رئيس وزراء منتخب أطاح به الرئيس عمر البشير في 1989 - على انتشار السلاح في هذا البلد الذي يشهد نزاعاً مسلحاً بين الجيش و4 حركات في ثلاث جبهات قتالية. ووجد زعيم حزب "الأمة القومي" الذي يتمتع أيضاً بإمامة طائفة الأنصار إحدى أكبر الطوائف الدينية في البلاد، مبرراً لحجته عندما طرح البشير مبادرة حوار وطني مطلع 2014. ويُعتقد على نطاق واسع، أن دافع البشير إلى مبادرته هو الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها البلاد في سبتمبر/ أيلول 2013، رداً على خطة تقشف حكومية، وكانت الأقوى على مدار حكمه. وخلافاً لغالبية فصائل المعارضة، قبِل المهدي دعوة الحوار، لكنها تعرضت لانتكاسة عندما اعتقلته السلطات بعد ذلك بأشهر، الأمر الذي منح مصداقية للمشككين في "جدية" المبادرة. وقتها، ردّ مراقبون اعتقال الرجل إلى تيار داخل حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم يعارض مشروع التسوية، وبغض النظر عن صحة ذلك من عدمه كانت النتيجة فقدان عملية الحوار للزخم الذي أصبغه عليها المهدي. لم يكتف الأخير بالانسحاب من الحوار، بل غادر البلاد ليلعب دوراً محورياً في تأسيس تحالف بين أحزاب المعارضة والحركات المسلحة التي كانت على الدوام منقسمة فيما بينها. وخيّر التحالف الجديد الذي أُطلق عليه "نداء السودان" الحكومة ما بين القبول بحوار "جاد" أو مواجهة "انتفاضة شعبية". ولاحقاً، تباهى المهدي أكثر من مرة بأنه أقنع الحركات المسلحة بإعطاء الحل السلمي أولوية على الحل العسكري الذي كانت تتبناه لإسقاط النظام. في المقابل، أثار التحالف الجديد حفيظة الحكومة لدرجة أن الرئيس البشير رهن عودة المهدي بأن "يتبرأ" من اتفاقه مع الحركات المسلحة. لكن الرجل تمسك بحلفه الجديد الذي تبنت أطرافه موقفاً موحداً في المفاوضات التي يتوسط فيها فريق مفوَض من الاتحاد الإفريقي بقيادة رئيس جنوب إفريقيا السابق ثابو أمبيكي. وكان أبرز اختراق خلال هذه المفاوضات عندما وقّع المهدي بجانب قادة الحركات المسلحة على خارطة طريق طرحها الوسيط الإفريقي في أغسطس/ آب الماضي. وبناء على الخارطة، عُقدت محادثات في أديس أبابا كان هدفها وقف العدائيات، وتمرير الإغاثة للمتضررين في مناطق النزاعات، ومن ثم الاتفاق على أجندة لحوار أوسع يضم بقية أحزاب المعارضة لمناقشة القضايا القومية وعلى رأسها أزمة الحكم وإصلاح الاقتصاد. وعُلقت المحادثات لأجل غير مسمى بعد فشل الطرفين في التوصل لاتفاق، وليس من الواضح متى ستستأنف، لكن تبعها لغة تصالحية من جانب الحكومة تجاه المهدي. وفي أكتوبر/ تشرين أول الماضي وبالتزامن مع إجازة توصيات الحوار الذي قاطعته المعارضة، قال البشير إنه هاتف المهدي ودعاه إلى العودة للانضمام إلى العملية مع الإشادة بـ"دوره الوطني". وقتها، رجّح مراقبون بأن دعوات الحكومة المتواترة للمهدي بشأن العودة هدفها تحجيم تقاربه مع الحركات المسلحة الذي بات "خصماً" عليها. والحال كذلك، أعلن المهدي عودته إلى البلاد دون أية إشارة تجعل من الأمر استجابة لدعوات الحكومة، بل برر الأمر بـ"الفراغ من القضايا التي خرجت من أجلها". وفي صدارة هذه القضايا كما قال المهدي أكثر من مرة "اصطفاف يحقق المصلحة الوطنية بوسائل خالية من العنف". وعندما عاد زعيم حزب الأمة، إلى الخرطوم الخميس الماضي، قال إن أولويته "وقف الحرب وتحقيق الديمقراطية". وفي إشارة إلى تحالفاته الجديدة أوضح أن هذه القضايا "متفق عليها عبر إرادة قومية وليست حزبية". ومتفاخراً بأنصاره الذين حضروا لاستقباله وفي رسالة للحزب الحاكم زاد الرجل بالقول: "من يخاف حشدنا وحماسنا نقول لهم لا تخافوا فهذا حشد للتعبير عن رأي وليس فرضه". ويعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم حاج حمد، أن المهدي "نجح في جعل الحركات تتعامل بمرونة مع خيار التسوية الذي تدعمه الدول الغربية". وفي تعليقه للأناضول، يرى حمد أن ما سهّل مهمة المهدي هو أن "هذه الحركات لا تسيطر على أراضي معتبرة بخلاف الحركة الشعبية" التي تحارب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق المتاخمتين لجنوب السودان منذ 2011. والأسبوع قبل الماضي، أفاد تقرير للأمم المتحدة أن حركتين من ثلاث تحارب الحكومة في إقليم دارفور المضطرب غربي البلاد "انسحبتا" إلى ليبيا وجنوب السودان حيث تنشطان هناك كـ"مرتزقة". وجاء في التقرير الذي نشرته لجنة أممية معنية بمتابعة الأوضاع في دارفور، أن حركتي "العدل والمساواة" بزعامة جبريل إبراهيم، و"تحرير السودان" بزعامة أركو مناوي "لم يعد لهما أي وجود يذكر في دارفور بسبب استراتيجية مكافحة التمرد الحكومية الفعالة". ولم تعلق الحركتان حتى الآن على التقرير الأممي، لكنهما درجتا على نفي اتهامات حكومية بقتال حركة إبراهيم إلى جانب رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت ضد خصمه رياك مشار وقتال حركة مناوي إلى جانب القوات الموالية لقائد الجيش الليبي المنبثق عن برلمان طبرق خليفة حفتر. وطبقا للجنة الأممية، فإن الحكومة تتمتع بعد انسحاب الحركتين بـ"بهامش أكبر من المناورة لإملاء شروط اتفاق حول دارفور". ورجّح أستاذ العلوم السياسية أن "يستمر المهدي في تعاطيه الناعم مع النظام ودفع مشروع التسوية عبر خارطة الطريق الإفريقية، لكن الأمر يتوقف على مرونة الحكومة التي تخضع أيضا لضغوط دولية". وكان "تعهد" الحكومة بوقف القتال، واحداً من خمس مسارات تم التفاوض عليها بين الخرطوم وواشنطن ومهدت لرفع الثانية لعقوباتها الاقتصادية المفروضة على الأولى منذ 20 عاما. وتدعم الولايات المتحدة فريق الوساطة الإفريقي، ويعود لها الفضل في توقيع المهدي والحركات على خارطة الطريق بعد أشهر من رفضها. وغداة رفع العقوبات في الـ 13 من الشهر الحالي، مددت الحكومة وقف إطلاق النار لمدة 6 أشهر. وفي خطابه بعد العودة، أشاد المهدي بوقف إطلاق النار، وتعهد بالعمل مع الحركات لتبني خطوة مماثلة باعتبار أن "وقف العدائيات يجعل النفوس مستعدة للتراضي". وبالنسبة إلى حاج حمد فإن المهدي بإمكانه دفع الحركات لذلك، لكنه يرفض وصف البعض للرجل بأنه بات "مركزا" للمعارضة. وحجة حمد في ذلك بأن "المعارضة منقسمة على مركزين الأول مع التسوية والثاني رافض لها ويفضل إسقاط النظام عبر انتفاضة". ويشير أستاذ العلوم السياسية بالأساس إلى تحالف "قوى الإجماع الوطني"الذي تتكتل فيه أحزاب ذات نزعة يسارية أبرزها الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي. وكانت هذه الأحزاب جزءا من تحالف "نداء السودان" قبل مغادرتها احتجاجاً على بنود خارطة الطريق بوصفها لن تُفضي إلى "تحول ديمقراطي حقيقي". الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.