تزامن منع الناشط الحقوقي المصري نجاد البرعي من السفر إلى العاصمة الأردنية عمان مع حملة اتهامات تلاحق نشطاء المنظمات الأهلية في مصر بقضايا التمويل الأجنبي. على مدار أسبوع كامل، وقبيل الاحتفال بذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر، انبرى اثنان من الإعلاميين المصريين إلى إذاعة تسجيلات خاصة على شاشات فضائيات مصرية تتهم بشكل واضح العديد من النشطاء وأصحاب منظمات حقوقية بالحصول على تمويلات من الخارج والتخطيط والمشاركة في التحريض وتخريب العديد من المؤسسات الرسمية، وفي المقدمة منها القوات المسلحة ومقار مباحث أمن الدولة. وكشف الإعلاميان عبد الرحيم علي وأحمد موسى أن لديهما مئات التسجيلات، التي تكشف دور هؤلاء النشطاء في التحريض على الأمن والاستقرار في مصر لمصلحة قوى أجنبية. هذا، وإن منع الناشط الحقوقي رئيس المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية نجاد البرعي لم يكن الأول، بل سبقته عمليات منع متكررة للعديد من النشطاء، الذين ينتظر إدراجهم على لائحة الاتهام في القضايا الجاري التحقيق فيها، والتي تحمل أرقام "173-250"، وينتظر أن تضم عشرات المتهمين الذين تم منعهم من السفر، وكذلك التحفظ على أموالهم، بقرارات صدرت من المحاكم المصرية المختصة. وكان شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي قد شهد منع المحامية الحقوقية عزة سليمان من السفر إلى الأردن، وذلك ضمن ستة نشطاء تم منعهم في الأسبوع نفسه. فيما ذكر تقرير صدر عن إحدى الجهات الحقوقية أن نحو 115 من النشطاء، منعوا من السفر في الفترة من يونيو/حزيران 2014 إلى سبتمبر/أيلول 2016. كذلك، منعالناشط الحقوقي محمد زارع، رئيس إحدى المنظمات الحقوقية في مصر، بدوره للمنع من السفر في مايو/أيار الماضي، لدى توجهه إلى تونس. وتكرر الأمر مع المحامي الحقوقي مالك عدلي، أحد رافعي قضية "تيران وصنافير" أمام المحكمة الادارية العليا، والذي تم منعه من السفر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وقد دفعت قرارات المنع المتتابعة منظمتين حقوقيتين في مصر، هما "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" و "مركز القاهرة للتنمية والقانون"، إلى إصدار تقرير مشترك وصفتا فيه المنع من السفر بالأداة غير القانونية وغير الدستورية للتنكيل السياسي والمعنوي بالحقوقيين، إضافة إلى الأكاديميين والإعلاميين والمعارضين، عقاباً لهم على الانخراط في العمل العام والتعبير الحر عن الرأي، والدفاع عن حقوق مواطنيهم؛ واصفة التوسع المتزايد في استخدام المنع من السفر بأحد أبرز آليات القمع في مصر. وأشارت إلى عدم وجود قانون ينظم إجراءات المنع من السفر، وأن كشوف الممنوعين يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان. وطالب التقرير بوقف استهداف الحقوقيين بقرارات المنع من السفر وعرقلة عمل المدافعين والمدافعات عن حقوق الانسان والتنكيل بالمجتمع المدني المصري. كما طالب جهات التحقيق، مثل النيابة العامة وقضاة التحقيق بإنهاء سياسة التعسف في استخدام السلطة التقديرية لإصدار قرارات المنع من السفر، وكذلك مطالبة وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية المختلفة بإنهاء الممارسات التعسفية بشأن المنع من السفر كافة، ووقف الممارسات الخارجة عن القانون، التي تشمل الإيقاف والتحقيق وسحب جوازات السفر وابتزاز السياسيين والحقوقيين لاستعادة جوازات السفر. يذكر أن قضية التمويل الأجنبي في مصر تفجرت إثر ما أعلنته السفيرة الأمريكية السابقة في القاهرة آن باترسون في شهادتها أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في الحادي عشر من يونيو/حزيران2011، والتي كشفت فيها حقائق خطيرة عن عمليات التمويل الأجنبي لمنظمات ونشطاء حقوقيين في مصر؛ حيث أوضحت أنه وخلال الفترة من 25 يناير/كانون الأول 2011، وحتى 11 يونيو/حزيران من العام نفسه، أي خلال فترة خمسة أشهر، تم دفع 40 مليون دولار للمعارضين و65 مليون دولار لدعم الديمقراطية و150 مليون دولار لتشجيع النمو الاقتصادي، وذلك لـ 155 منظمة حقوقية من بين 600 منظمة حقوقية تقدمت بطلبات لتمويلها، وذلك من هيئة المعونة الأمريكية. هذه المعلومات المثيرة، التي كشفت عنها باترسون، دفعت العديد من الشخصيات المصرية للتقدم ببلاغات إلى النائب العام المصري، كان أولها منتصف العام 2011. ثم توالت البلاغات والمعلومات لتصب في نهاية المطاف في نيابة أمن الدولة العليا، التي تعكف منذ ذلك الوقت علي جمع أدلة الاتهام، من وقائع وتسجيلات ومعلومات ورصد تحويل أموالفي حسابات العديد من النشطاء، حيث بلغت محصلة التحقيقات في القضايا الخاصة بالتمويل الأجنبي مع نهايات العام 2016 نحو 12 ألف ورقة شملت التحقيقات في القضية، وثلاثة آلاف مكالمة مسجلة وأربعة آلاف فيديو مصور، وتضم حتى نهاية العام الماضي حوالي 230 متهما. وما بين الجدل الدائر في داخل مصر والضغوط، التي تمارس من بعض الدوائر الغربية دعما للنشطاء، يبدو من الواضح أن الحكومة المصرية جادة هذه المرة في إحالة قضية التمويل الأجنبي إلى القضاء، وأن العد التنازلي لمحاكمة الممولين قد بلغ محطته الأخيرة، وهو ما ينبئ بقرب تحريك قضايا التمويل الأجنبي في مصر، والتي ما زالت حبيسة الأدراج منذ عام 2011. محمود بكري