خاطب الإلحاد الإيمان معرفاً بنفسه: «أنا نكران الذات الإلهية بمبررات فكرية، وقد وُلِدت في فترة السفسطائية حينما بدأ الفلاسفة اليونانيون باستباحة العقل، فلقد بدؤوا بالتشكيك بوجود السَائل والمجيب، بل بوجود حقيقة أي شيء، وشككوا في كل آلهتم، وعبثوا في فهمهم الفطري للذات الإلهية، واختاروني منهجاً ينكر كل التشريعات غير البشرية، لأني جاحدٌ للرسالات السماوية جمعاء، ففي زمنكم هذا المادي الرأسمالي وجدني الكثير أنسب دين للعالم». ويتابع: «قد يستغرب البعض وصف نفسي بدين، فالمؤمنون بي يتحججون، مثل المؤمنين بأديان سماوية، بغياب الدليل الحسي، وأتباعي يصدقونني رغم عدم وجود دليل على إيمانهم بعدم وجود إله، وقد قويت بتشكيكات اليونان في صفات الذات الإلهية، كقول أحدهم (بما أن الإله قادر على كل شيء، فهل يقدر على أن يخلق صخرة لا يمكن تكسيرها؟). فيرد الإيمان قائلا: «اسمح لي بالرد يا إلحاد، فالمؤمنون بك من عدم لعدم، وسؤالهم مغلوط كالعادة، لأن تعريف الإله هو القادر أساسا على كل شيء بأي ظرفٍ كان، فكأنهم قالوا: «الماء يروي، فهل يمكن أن يروي نفسه؟». يجيب الإلحاد: «فلتسمح لي إذاً أن أوضح مسألة أخرى، فأنا لا أتعارض معك عندما تستسلم لضرورة التسلسل المنطقي في كل قضية، ولذلك أسألك: كيف تثبت وجود مُبدئ للوجود؟». يتريث الإيمان ثم يقول: «يا إلحاد، لقد شذذتَ عن سؤالي الأول، ولكني سأدعوك لركوب آلة الزمن، وأريد أن ترى أين تكون آخر نقطة ممكن ترجع لها بآلة الزمن». فيرد الإلحاد بحذر: «سأعود حيث الانفجار الأعظم، وسأعود للحظة نشوء أول خلية (الجِين الأناني)، لأرى بداية جميع أنواع التطور وأثبت به صوابي». فرد الإيمان مبتسماً «يا إلحاد، اللهُ أمر المؤمنين بتعلم كيفية الخلق «قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ». فمهما كانت الآلية، كالانفجار الأعظم أو الأكوان المتعددة، فلا يستوجب ذلك الكفر بالخالق. فجاء رد الإلحاد: «إذاً نحن نجتمع على كلمة سواء بيننا، فمسألة آليات بداية الوجود لا تفسد للود قضية، ولكن الفلاسفة اليونانيين وصفوا الوجود بأنه مساحة حُشيت بمواد متحركة، تصادمت مع بعضها بفوضوية لملايين السنين، إلى أن استنفدت المواد جميع المسارات المحتملة حتى لا يبقى سوى احتمال حركات الانتظام التام لكل موجود بالوجود، وهكذا خَلق ذكاءُ الوجودِ نفسه، بنظريتيّ الكايوس والكوزموس». فقال الإيمان: «أنا أسألك يا إلحاد، أليس هذا الذكاء الذي تُؤلهه اضطر لوجود احتمالية ترسمه؟ فإنه لا يُنَشئ ذكاءٌ نفسه إلا من بعد وجود صاحب إرداة أقره، ومن هنا يأتي تأكيد الإرادة والحكمة الربانية من قبل وبعد هذا كله. وبالمثال يتضح المقال، أراد معلمٌ اختبار الطلاب فخيرهم بأربعة أجوبة، فهل سيتجلى ذكاء أحدهم دون أن يوفر المعلم فرصة مشاركة؟». نهض الإلحاد من طاولة النقاش مُغاضباً، قائلا: «إنك لم ولن تفقه سبب وجودي». فرد الإيمان عليه: «أنا أعرف كل ما تقوله وأعرف أنواعك وأسبابك، فالنوع النفسي يسبب الاكتئاب الطارئ عن بلادة الدماغ بسبب إدمان المواد المخدرة أو الفساد الجنسي إلى درجة الإحباط الهرموني، فيميل صاحبه لأي مثير كالانتشاء بمعاندة أقدس ضوابط المجتمع. وهناك أسباب سياسية كالولاء للسوفياتية الخائبة، وهناك النوع العقلاني الذي قارعناه بالبراهين، وأكدنا إسلامنا بحاضرِ البراهين المنطقية، فولى خاسئاً مزهوقا، وصدق قوله تعالى: «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقا».