بيروت: «الشرق الأوسط» لم يتوقع أحد أن يختتم اللبنانيون يوم الخميس، وصودف أنه يوم إجازة رسمية، بخبر انفجار ضخم هز الضاحية الجنوبية لبيروت وحصد 24 قتيلا ونحو 290 جريحا. اعتادت المنطقة أن تكون هدفا للقصف الإسرائيلي ومسرحا لاستهداف قياديين حزبيين، لكنها لم تعرف تفجيرات تصيب عمق أحيائها السكنية المزدحمة. وصحيح أن اللبنانيين استعادوا منذ فبراير (شباط) 2005. تاريخ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، دوي الانفجارات وعمليات الاغتيال، التي عرفوها خلال سنوات الحرب الأهلية الطويلة منذ منتصف السبعينات. لكنهم لم يعتادوا رؤية انفجارات مماثلة في معقل حزب الله. فالصورة النمطيّة المحفوظة في أذهانهم تفيد بأنّ أمن حزب الله لا يخترق وأن الخضّات الأمنية تجد مرتعا لها في المناطق كافة، باستثناء مناطق حزب الله. أثار الانفجار حالة من الدهشة والقلق من تفجيرات أخرى مقبلة واستدعى تنديدا سياسيا جامعا باستهداف منطقة آمنة بأطفالها ونسائها وشيبها وشبابها. ساوى المسؤولون، برغم اختلاف التوجهات السياسية، بين الضاحية ومناطق لبنانية أخرى شهدت حوادث مماثلة، مؤكدين أن الألم واحد. لكن ردود الفعل الشعبية في المناطق المجاورة للضاحية وتلك البعيدة عنها اختلفت نسبيا. لم يجتمع لبنانيان خلال الساعات الأخيرة إلا وكان انفجار الرويس محور حديثهما. ويمكن تصنيف ردود الفعل تحت ثلاثة عناوين: أكثرية أبدت خشيتها من تأزم الوضع اللبناني وعودة لغة التفجيرات، وأكثرية ثانية اعتبرت التفجير ثمن قتال حزب الله في سوريا، وأقلية ثالثة أظهرت الفرح وابتهجت. وكانت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي قد امتلأت بالشعارات المستنكرة وبصور الحداد السوداء حزنا على ضحايا الانفجار. لكن استنكار الجريمة وقتل المدنيين والقلق من تأزم الوضع الداخلي أكثر لم يحل من دون ربط ما جرى باشتراك حزب الله في القتال في سوريا. خليل، مدرس لبناني، يقطن في منطقة جبل لبنان، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «حزب الله يدفع اليوم ثمن ما ارتكبه في سوريا»، متسائلا: «هل ظن أنهم سيتركون مناصريه بأمان بعد أن قصف صواريخ (غراد) على السوريين في بلداتهم؟». ولدى سؤاله عن ذنب المواطنين الآمنين في منازلهم في الرويس، يجيب: «وما ذنب الآمنين في القصير؟». وجهة نظر خليل شبيهة بوجهات نظر لبنانيين من مناطق أخرى، لا يوالون حزب الله. نبيل، موظف في جنوب لبنان، يبدي رفضه لاستهداف «أي منطقة لبنانية، مهما كان انتماؤها السياسي». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن الهدف «من التفجير هو تصدير أزمة سوريا إلى لبنان»، منتقدا كيف أن حزب الله اعتبر معركة سوريا معركته ويدفع لبنان الثمن اليوم. وتعرب عبير، وهي موظفة في شركة في منطقة البقاع (شرق البلاد)، عن حزنها من جراء الانفجار الكبير و«استهداف أبرياء لا ذنب لهم، ولا يؤيدون جميعهم بالضرورة حزب الله». وتوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يتعرض له لبنان من محاولات تفجير محزن جدا ويدفعنا إلى التفكير بتوضيب أغراضنا والهجرة»، مؤكدة «أنها لا يمكن أن تتخيل أن مكروها قد يصيب أطفالها لمجرد سكنها في منطقة ذات غالبية سياسية أو طائفية محددة». ولا تغيب «الشماتة» عن ردود فعل عدد من اللبنانيين، لكنها تطال حزب الله وخياراته السياسية، من دون أن تسري على ضحايا الانفجار أو بيئته الحاضنة. حسنة، طالبة جامعية، معارضة لسياسة حزب الله ومواقفه، تعتبر أن «الحزب يجني اليوم ما زرعه في سوريا، ويجر الحرب إلى لبنان». لكن المشهد الأكثر تعبيرا جاء من طرابلس، وتحديدا من مناطق النزاع في باب التبانة، حيث تم توزيع البقلاوة والحلوى وإطلاق الرصاص ابتهاجا بانفجار الضاحية، في رد على توزيع الحلوى في الضاحية، ابتهاجا بـ«سقوط القصير». وأدى إطلاق الرصاص إلى مقتل شخص من منطقة جبل محسن، ذات الغالبية العلوية، ومقتل شخص ثان من باب التبانة بعد محاولة قوى الأمن اللبنانية ردعه عن إطلاق النار في الهواء ابتهاجا. وبعد أن أثار إطلاق النار وسقوط قتيلين حالة من التوتر في عدد من أحياء طرابلس، أدى انفجار قنبلة قرب سنترال المينا حالة من الرعب الشديد، فيما كان أهالي المدينة يتابعون انفجار الضاحية عبر شاشات التلفزة، لاعتقادهم في بادئ الأمر أن الدوي ناجم عن انفجار وليس عن قنبلة صوتية. وقال وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل إن القنبلة انفجرت في منطقة تضم مساكن عددا من مسؤولي المدينة، بينهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ومدير عام قوى الأمن الداخلي السابق أشرف ريفي والنائب عن كتلة المستقبل سمير الجسر. وفيما أثار مشهد توزيع الحلوى وإطلاق الرصاص ابتهاجا استياء عارما على مواقع التواصل الاجتماعي وانتقادات لاذعة، قال رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط إن «احتفال أي منطقة لبنانيّة بسقوط شهداء في منطقة لبنانيّة أخرى هو عمل غير أخلاقي بالمطلق ولا يجوز تكراره بصرف النظر عن المنطقة المستهدفة أو الشهداء الذين سقطوا».