* أما قبل: لا شيء أسوأ من خيانة القلم، فالرصاصة قد تقتل فردًا بينما القلم قد يقتل أمة * تشي جيفارا * وبعد: المتابع لآلتنا الإعلامية بكل صنوفها وإعلاميينا ببعض ألوانهم يلحظ خفوتًا كبيرًا في تناولهم ظواهر تعد من أكبر الهموم التي تشغل بال الناس إلا فيما يخص المرأة، وقيادتها السيارة، وتخصيص مقاعد للنساء في الملاعب الرياضية، ومشاركتهن في المونديالات، وإسقاط حق الولاية عليهن، وكل ما له علاقة بإخراجهن من بيوتهن، إلى درجة الإملال هذا التمحور يشعر المتابع المدرك للوضع الاجتماعي أن التيار المسيطر على هذه الآلة ومشغليها يعانون من الانتقائية الشديدة فيما يطرح ويناقش، وأنهم ليسوا مهمومين بالارتقاء بالمجتمع وحل ما يعانيه من أمراض وأزمات حقيقية، بل إن الطرق المكثف على المرأة، والتناول المركز من جانبهم لحقوقها المزعومة أديا إلى التضليل الفكري بشكل ظاهر، كونهم يوجهون المشهد إلى خانات محددة لا تمثل كل إشكالياته الحقيقية، ولا كل أزماته الملحة، وقد تسببت هذه الانزلاقات في تضليل الوعي المجتمعي، وإبعاده عن الحقيقة، وإقامة حواجز غليظة حالت دون الرؤية الناضجة للواقع، حتى استفحلت الأعراض، لتصل إلى حالة مهلكة خرجت عن السيطرة، وتسببت في إنهاك الجسد الاعلامي وبالتالي المجتمعي، حتى أوصلاهما إلى حالة مرضية خطيرة. وفي هذا الإطار جمعتني الظروف بأحد من زاملتهم ردحا من الزمن – وما أكثر من هم مثله وكان حينها يعمل مشرفا على القسم الديني بإحدى الصحف قبل ما يقرب من عقدين، وكنت أراه وقتها أحد حراس الفضيلة، شاءت الأقدار أن ألتقيه قبل أيام بعد طول عهد لي به، سألته عن تحوله المفاجئ، عنايته بطبقة كان يراها ضئيلة في المجتمع، بحثه عنهم، عن أخبارهم، تتبع مستجداتهم، كتاباتهم، آرائهم المزعجة، دعواتهم المشبوهة، تزويق كل ما كان يمقته فيهم، تغليف ما كان يسميه هراء بورق السلوفان ومن ثم هندمته وتقديمه للقارئ في قالب حلوى، هنا أطرق رأسه أرضا وأخذ يصب الأعذار صبا، تارة يتناسى ما كان يدعو إليه ويكافح من أجله، وتارات يستحلب التبريرات، لكن ما فهمته من حواره الخجول معي أنه يسير مع التيار، وفق ما تمليه عليه ظروف عمله، ولو على حساب قناعاته، ولأن وظيفته اليوم هي ذاتها قبل عشرين عاما لم يحاول التنصل من المسؤولية، لكنه برر تحوله هذا بقوله: الوظيفة نفسها لكن الزمن قد تغير، وحتى يهوّن من أمره سرد لي الكثير من الأسماء التي قال إنها كانت محافظة وما لبثت أن خرجت مثله عن دائرة الصواب. للأسف، في إعلامنا فئة هي الغالبة، فئة امتهنت الترويج لمن يدفع أكثر، فئة منغمسة في أتون العتمة، هدفها الأول والأول فقط ــ كون الأخير لا أثر له في أجندتها ــ تحقيق مطامع، وإشباع جشع، فئة يتهافت المنتمون إليها على المادة / المائدة ولعا بـ النصب / المناصب ، يتحركون بمهارة، تراهم في كل مكان فيه مفسدة، أغواهم التيه، وأعمتهم نشوة الذات، بقاؤهم يعتمد على خذ وهات، مهووسون بالضوضاء، مغرمون بالأضواء، معدومو الإنتاجية، بارعون فقط في الولولة.