أحبطت قوة من مديرية المخابرات في الجيش اللبناني بالتنسيق مع فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي مساء أول من أمس، عملية انتحارية في مقهى «كوستا» في منطقة الحمرا، أسفرت عن توقيف انتحاري لبناني يدعى عمر حسن العاصي من منطقة شرحبيل في صيدا (25 سنة) كان يحمل بطاقة هويته، وضبطت الحزام الناسف المنوي استخدامه ومنعته من تفجيره. وفي تفاصيل العملية التي حصلت عليها «الحياة» من مصدر أمني رفيع، والتي تعتبر من أهم وأنجح العمليات الاستباقية التي تستند في تحركها إلى معلومات دقيقة، أن الأخير دخل عند العاشرة والربع المقهى الذي لم يكن يغص بالرواد متوجهاً إلى صندوق المحاسبة طالباً قهوة وعبوة مياه وشوكولا ودفع فاتورته سلفاً ثم جلس بالقرب من الواجهة الزجاجية المحاذية للرصيف داخل المقهى المذكور وكان يلتفت يميناً ويساراً. وسأل نادلة: «لماذا لا يوجد أناس كثر لا في الداخل ولا في الخارج على الرصيف؟». فأجابت النادلة: «ربما بسبب الطقس البارد، أو لأن بعضهم يفضّل السهر يوم السبت على الجلوس في قهوة». وبعدها تلقى اتصالاً هاتفياً وخرج ليجيب مربكاً، وعند وصوله إلى عتبة المقهى محاولا فتح سحاب معطفه قفز فوقه اثنان من عناصر القوة الأمنية ودفعاه إلى الداخل فوقع أرضاً وعاونهما عليه ثلاثة من رجال الأمن في الداخل، ولما حاول المقاومة أقدموا على ضربه من دون إطلاق النار كما تردّد، وأقدم أحدهم الذي يعتقد أنه خبير متفجرات على لي ذراعه المثبّت فيها أسلاك موصولة بصاعق تفجير وقام بضبط حزامه الناسف. وبعد انتهاء العملية بنجاح نقل الموقوف إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت للمعالجة إثر إصابته برضوض نتيجة تعارك بالأيدي ومنها إلى المستشفى العسكري حيث لم يدل إلا بجملة واحدة: «أنا مكلّف من تنظيم «داعش» بتفجير نفسي». وأكدت مصادر أمنية لـ «الحياة» أن الانتحاري لم تكن في حوزته قنابل يدوية ولا أدوية، خلافاً لما نشرته وسائل إعلام وتم عرضه على شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي من صور تبين أنها مركبة. وكان سبق العملية الأمنية انتشار أمني غير مرئي بلباس مدني في منطقة الحمرا ومحيطها، خصوصاً منطقة الصنائع، للحفاظ على سرية عملية المراقبة الدقيقة للانتحاري بعد تقاطع معلومات بين استخبارات الجيش وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي. وتزامناً مع العملية، فرضت وحدات الجيش انتشاراً أمنياً واسعاً في العاصمة بيروت استمر حتى نهار أمس. ولم تنعكس تلك الإجراءات سلباً على الحركة النشطة التي شهدتها مقاهي بيروت التجارية وأسواقها. وأعلنت قيادة الجيش- مديرية التوجيه في بيان، أن «الانتحاري حاول الدخول عنوة إلى مقهى كوستا، ما أدى إلى وقوع عراك بالأيدي مع القوة العسكرية عند العاشرة والنصف، ونقل على الأثر إلى المستشفى للمعالجة». وعلى إثر إحباط العملية الانتحارية داهمت قوة من الجيش منزل الموقوف في منطقة شرحبيل وعملت على تفتيشه وضبطت بداخله جهاز كومبيوتر وحافظة معلومات وأوراقاً خاصة به. وأوقفت اثنين من أشقائه هما محمد وفاروق وآخرين من آل البخاري والحلبي كانا موجودين في المكان. ونقل عن والدته في إفادتها لعناصر مخابرات الجيش في الجنوب، الذين حضروا إلى منزل الانتحاري استغرابها سلوكه وتصرفاته الغريبة في المدة الأخيرة. وعلمت «الحياة» أن الموقوف الذي يعمل ممرضاً في إحدى مستشفيات صيدا تردد أنه كان على تواصل مع المطلوبين والمتواريين عن الأنظار شاهين سليمان ومعتصم قدورة من جماعة الشيخ الموقوف أحمد الأسير ووراء إنشاء خلايا نائمة تابعة للأخير، مع العلم أن هناك موقوفين يحاكمون في هذه التهمة. وكان يتردد إلى مسجد بلال بن رباح قبل توقيف الأسير وكان ضمن فريق المسعفين الخاص بالمسجد وتردد أنه أصيب في اشتباكات أحداث عبرا عام 2013 بين الجيش اللبناني ومناصري الأسير. وعمل بعدها لفترة في محل لبيع العصائر في صيدا قبل أن يعمل ممرضاً في المستشفى. وأكد المصدر الأمني لـ «الحياة» أن قوة من مخابرات الجيش في صيدا توجهت إلى قسم الطبابة في المستشفى الذي يعمل فيها في الطابق السادس حيث فتّشت الخزانة التي يضع فيها أغراضه لكنها لم تعثر على شيء، واستمعت إلى إفادة الموظفين العاملين في الطابق. فتبيّن أنه يعمل 4 أيام في الأسبوع. وكان يوم عمله الأخير الأربعاء الماضي فيما قضى يومي الخميس والجمعة في منزله قبل أن يغادره صباح السبت باكراً كما قالت والدته. تنويه رسمي بالعملية الاستباقية أثار الإنجاز الأمني الاستباقي الذي حققته استخبارات الجيش اللبناني في عملية مشتركة مع فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، مساء أول من أمس بإلقائها القبض على الانتحاري في الحمرا في بيروت، قبل إقدامه على تفجير نفسه، ارتياحاً رسمياً وشعبياً على حد سواء. ونوه الرئيس اللبناني ميشال عون «بالعملية الأمنية الاستباقية في مقهى كوستا، ما أنقذ رواد المطعم من مجرزة محققة». وهنأ رئيس الحكومة سعد الحريري مخابرات الجيش وفرع المعلومات على إحباط عملية انتحارية وشيكة. وقال في تغريدة عبر تويتر: «وحدتنا تحمي الوطن والمواطنين». ووجه الرئيس ميشال سليمان «تحية إلى العين الساهرة أبداً لحماية لبنان من شر الإرهاب»، لافتاً إلى أن «مؤسساتنا الأمنية مفخرة للعالم، ووحدتنا قوة». ونوه الرئيس نجيب ميقاتي «بالجهد المشترك الذي احبط العمل الإرهابي الذي كان يخطط للبنان». وقال: «حمى الله لبنان من كل الشرور والأخطار». وأشاد وزير الداخلية نهاد المشنوق بـ «شعبة المعلومات ومخابرات الجيش على هذا الإنجاز الأمني المدوّي، والتحية الدائمة لكل منهما تقديراً للجهد الكبير الذي يبذلانه في سبيل حفظ الأمن والأمان في بيروت وفي كل لبنان». ونوه وزير الدفاع يعقوب الصراف «بالعملية، التي جنبت لبنان مجزرة محتمة»، مؤكداً «ان مثل هذه الإنجازات هي خير دليل على المتابعة الحثيثة للملفات الأمنية والسهر الدائم على أمن الوطن والمواطن». ورأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن «الأجهزة الأمنية نجحت مرة جديدة في إحباط عملية تفجير ونجت لبنان من كارثة، ما يثبت ان الدولة قادرة عندما يكون هناك قرار سياسي واضح في شأن ما». وقال: «هذا ما هو الأمر عليه بما يتعلق بمواجهة الإرهاب في لبنان، الى حد ان الأجهزة الأمنية تمكنت من انجاز ما عجزت عنه أعتى أجهزة الأمن المشهود لها في كثير من دول العالم». وقال عضو كتلة «التحرير والتنمية» النائب ياسين جابر: «أحسنت القوى الأمنية والعسكرية بمراقبتها الاستباقية للانتحاري والقبض عليه ما ساعد تجنيب البلاد خسائر بشرية، في الوقت الذي يستعيد لبنان أنفاسه من خلال عملية اعادة النهوض الوطني». سوسان: صيدا ترفض الاعتداء على الآمنين وأعلن مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان «أن صيدا حرصت ولا تزال على القانون والنظام، والتمسك بالعدل والاعتدال والمحبة والسلام بين الناس جميعاً». واعتبر في بيان «أن الاعتداء على الآمنين هو أمر ترفضه صيدا، كما ترفضه كل المواثيق الإنسانية والحضارية والدينية والأخلاقية». وقال بعدما وجه التحية إلى الجيش اللبناني وإلى كل القوى الأمنية الساهرة على أمن الوطن والمواطن: «إننا وفي ظل هذه الأجواء والظروف الصعبة التي نعيش، وفي ظل ما حدث ويحدث من حولنا، أحوج ما نكون للتوجه بكل الأساليب والوسائل لتربية شبابنا وأبنائنا على الفهم الحقيقي للإسلام، وما يحمله من مضامين، من قيم محبة ورحمة واعتدال وسلام، إن كان في مدارسنا أو في مساجدنا». وأشاد الأمين العام لـ «تيار» المستقبل أحمد الحريري «بالإنجاز الجديد للجيش وقوى الأمن الداخلي بتوقيف الانتحاري»، لافتاً إلى أن «التنسيق الأمني دائماً يوصلنا لأماكن تخلّصنا من مصائب ستحصل». ورأى أن «ما حصل عملية نادرة لجهة توقيف الانتحاري وهو حي ما سيساعد القوى الأمنية في التحقيقات لكشف إلى من ينتمي والأشخاص المتصلين به»، مشيراً إلى أن «ما حدث يشير إلى أننا لا نزال نعيش في مخاض صعب وهناك تأثيرات للأزمات المحيطة في لبنان». ورأى عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق أن «ما حصل يؤكد مجدداً خطورة الإرهاب التكفيري على لبنان الذي ما زال في دائرة الاستهداف منه»، موجهاً «التحية والشكر والامتنان للجيش والأجهزة الأمنية على إنجازاتها في كشف العصابات التكفيرية والانتحاريين، وهذا يوجب مجدداً أن نعمل على عملية استباقية لاستئصال وجود داعش والنصرة في جرود عرسال ورأس بعلبك».