×
محافظة المنطقة الشرقية

الهيئة الملكية ترصد مكافآت للمعلمين مرافقي الحافلات المدرسية

صورة الخبر

سبق أن تحدثت عن ثقافة النقاش والحوار لدى الإمام الشافعي -رحمه الله- في مقال سابق، ولكني وجدت أن الموضوع يحتاج الى إعادة طرحه مع إضافة بعض من النقاط من أجل أن يكتمل العقد بلآلئ أخرى ثمينة. ويكمن السبب في أهمية التكرار هو للذكرى لتعميق فهم الموضوع، وكذلك ما يعتري الساحة من نقاشات حادة وأحيانا خشنة ولاذعة قد تخرج عن إطار الأخلاق الرفيعة أو الأسس المهنية في مختلف وسائل التواصل الإعلامي والاجتماعي. والحقيقة أننا إذا أبحرنا في عالم الشافعي لوجدنا جوانب أخرى من حياته هي أيضا حقا مذهلة. فمنها مثلا أنه كان وما زال مدرسة فقهية قائمة بذاتها، حيث إنه المؤسس لأصول الفقه، وشهد له بذلك القاصي والداني. واشتهر له أيضا ديوان شعري مليء بروائع الحكم والعبر المبهرة. ولكن الجانب الذي أريد أن أركز عليه هو أنه كان أيضا من مؤسسي أصول النقاش والحوار، ويبدو ذلك جليا حين نتمعن في جودة وفلسفة النصائح والمواقف والكلمات النيرة التي خلدها الشافعي للتاريخ من بعده. وأزعم أننا سوف نحتاج إلى تلك النصائح والنقاط المهمة التي سأذكرها في هذا المقال؛ لأن حياتنا لن تخلو أبدا من النقاش و الحوار، وأحيانا كثيرة الجدال المحموم! سواء في العمل أو المنزل أو الحوارات مع الأصدقاء، أو صور أخرى من النقاشات العلمية والاجتماعية وغيرها. وأعتقد أن الحاجة إليها تزداد في هذه الحقبة من الزمن بسبب الهجوم الكاسح والنقاشات الحادة والمحتدمة والتي يشوبها بعض من السقطات اللفظية الشنيعة في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي. وبناء على ذلك وددت أن أشارككم ببعض من هذه النقاط لعلي أقدم شيئا مفيدا ونافعا يلامس القلوب والعقول معا. أولا: في أي نقاش وحوار نقوم به نجد أننا شديدو الحرص على أن نكون على صواب بغض النظر عن الفكرة أو الأثر النفسي المترتب عليها، مع أنه من الأفضل والأكثر واقعية هو البحث عن صواب الفكرة لا عن قائلها (البعد عن شخصنتها). ومن هنا تألق الشافعي وسمى عاليا حين قال: ما ناظرت أحدا إلا وتمنيت أن يكون الحق على لسانه!!. وتلك منزلة رفيعة جدا في سعة الصدر، وسلامة وصفاء النفس، وتحتاج ربما إلى سنوات من التدريب لأن النفس والهوى في صراع دائم مع العقل. ثانيا: هل فكرت يوما في أن المسألة التي تدافع وتنافح عنها قد يشوبها ولو نسبة ضئيلة من الخطأ. وأن الرأي الآخر ممكن أن يكون فيه شيء من الصواب. ولذلك قال: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي الآخرين خطأ يحتمل الصواب. ثالثا: هناك مثل عامي منتشر في بعض المجتمعات بصيغ مختلفة ولكن المعنى واحد وهو«خذهم بالصوت» أي ارفع صوتك حين لا تملك حجة واضحة وقوية. إن الحجج والأدلة والبراهين هي كافية في كثير من الأحيان ولا تحتاج إلى مكبرات صوت ليفهمها الناس. ولذلك قال عنه ابنه: ما سمعت أبي يناظر أحدا ويرفع صوته. رابعا: عدم تضخيم الخلاف لأننا في الغالب متفقون في الكليات ومختلفون في الجزئيات. ومن هنا قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة وافترقنا، فلما لقيني أخذ بيدي وقال: يا أبا موسى، ألَا يستقيم أن نكون اخوانًا وإن لم نتَّفق في مسألة. خامسا: في بعض الأحيان نصل مع الشخص الذي نتحاور معه إلى طريق مسدود بسبب الجهل أو التعنت، و كلاهما أسوأ من الآخر، والحل هو في التجاهل. وقد ألمح الشافعي إلى ذلك حين قال: ما ناظرت عالما إلا غلبته، وما ناظرت جاهلا إلا غلبني!. وقال أيضا: يخاطبني السفيه بكل قبح.....فأكره أن أكون له مجيبا يزيد سفاهة فأزيد حلما...... كعود زاده الإحراق طيبا. وحتى نكون عمليين أكثر منا تنظيريين (لأن التطبيق هو المحك)، فربما لن نتمكن من ممارسة وإجادة كل تلك النصائح والنقاط في آن واحد إلا بعد مجاهدة وصبر طويل. ولكن ربما لو حاولنا أن نتحلى ببعض منها (لو واحدة على الأقل)، فسوف نستمتع بالنقاش مع بعضنا البعض، ولعلنا نريح أنفسنا والآخرين من التوتر والتشنج، والتخفيف من الرواسب السلبية النفسية التي تتركها تلك المناظرات والنقاشات بمختلف أشكالها. وختاما، صدق حين قال: قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم.... إن الجواب لباب الشر مفتاح!!