تعد الجريمة الإلكترونية الآن من أخطر الجرائم التي تشغل رجال التشريع وسلطات إنفاذ القانون لما تمثله من تحد يرتبط بالتطور المتسارع في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتي باتت لا غنى عنها في تسيير الأمور الحياتية للناس وما يواكبها من تطور في نوعية الجرائم الإلكترونية التي يمكن أن تحيل حياة البعض إلى جحيم. ولعل أخطر الجرائم الإلكترونية تطورا وانتشارا هي جرائم الاحتيال والابتزاز بكل أنواعها لما لها من أثر مدمر على التماسك الأسري والمجتمعي، وهو ما دفع دولة قطر إلى إصدار قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم 14 لسنة 2014 لمعالجة تلك الجرائم والتعامل معها بشكل حازم. المقدم علي حسن الكبيسي رئيس قسم مكافحة الجرائم الاقتصادية بإدارة البحث الجنائي، يتحدث عن الجرائم الإلكترونية وكيفية مواجهتها وأشهر طرق الابتزاز الإلكتروني وغيرها في الحوار التالي : ما الجديد في عالم الجريمة الإلكترونية وكيف تعاملت دولة قطر معها ؟ - تشهد الجريمة الإلكترونية تطورا نوعيا خاصة مع التطور التكنولوجي المتسارع، حيث يقوم المجرم بتطوير أسلوبه الإجرامي توافقا مع التطور التكنولوجي، واستشعرت دولة قطر أهمية ذلك الموضوع؛ ولذلك صاغت له قانونا خاصا وهو القانون رقم 14 لسنة 2014، والذي عالج في أغلب مواده جرائم الابتزاز وجرائم المحتوى وجرائم الاحتيال، ونص في باب كامل على التعاون الدولي باعتبار أن الجريمة الإلكترونية عابرة للحدود؛ حيث يمكن أن يكون الجاني في دولة والمجني عليه في دولة أخرى والموقع الإلكتروني في دولة ثالثة وتبعات الجريمة في دولة رابعة؛ فلذلك خص المشرع وجود باب خاص بالتعاون الدولي حتى يكون لدينا متسع أكبر لاستقاء وتبادل المعلومات عن المجرمين أو المجني عليهم أو الضحايا، بحيث إننا نستطيع استقاء الأدلة من عدة دول، ونعد ملفا بالجريمة لتقديمها للعدالة. والجريمة الإلكترونية تشهد تطورا مذهلا؛ حيث احتوت على السب والتشهير والابتزاز والبطاقات الائتمانية وبطاقات الدفع، وذلك بعد أن انحسرت الجريمة التقليدية وحلت محلها الجريمة التقنية والتكنولوجية، ولم يعد المجرم تقليديا يقوم بالتكسير أو تسلق الأسوار أو اقتحام المباني، بل أصبح المجرم قابعا وراء شاشة كمبيوتر وهو قابع في إحدى الدول في جنوب شرق آسيا ليرتكب جريمته في الولايات المتحدة الأميركية، فسهلت التقنية للمجرم حصوله على المكاسب، وفي الوقت نفسه تعجز القوانين عن الإمساك بالجاني مع صعوبة الحصول على الدليل في حالة عدم تعاون بعض الدول بتوفير الدليل الذي ترغب في الحصول عليه لاستكمال الإجراءات القانونية لإدانة المجرمين. ما هي أبرز الجرائم الإلكترونية وأكثرها شيوعا في المنطقة؟ - للأسف مجتمعاتنا العربية باتت تستخدم التكنولوجيا وتستهلكها بأسوأ الطرق بحيث إنها ترتكب جرائمها عن طريقها، فانتشرت لدينا الكثير من جرائم السب والتشهير وجرائم الاحتيال المالي وجرائم الابتزاز، وأصبح البعض في المجتمع العربي يستخدم التطور التكنولوجي خاصة وسائل التواصل الاجتماعي في السب معتقدا بعدم معرفة الطرف الذي سبه بتلك الجريمة ولا يدري سهولة الوصول إلى مرتكب جريمة السب من قبل الأجهزة الأمنية، وهو يقوم بوضع الاسم المستعار ويحقق قصده من سب الشخص أو التشهير به أو الإساءة له أو ابتزازه. كيف يتم الابتزاز إلكترونيا ؟ - جريمة الابتزاز الإلكتروني هي استخدام شخص وسائل وبرامج التواصل الإلكتروني من أجل ارتكاب جريمة معينة لإلحاق الضرر والأذى بسمعة وكرامة أحد الأشخاص الذين تم استدراجهم من خلال تلك المواقع أو غيرها. فقد يستخدم المجرم تلك الوسائل التكنولوجية من أجل الاستحواذ على بعض المحتويات والمواد (صور. فيديو. وثائق) التي تخص الضحية سواء من خلال التسلل غير المشروع إليها (القرصنة) أو الحصول عليها بناء على ثقة الضحية إلا أنه استغل تلك الثقة وبدأ التهديد بنشر تلك المحتويات دون وجه حق. ما هي الطرق الشائعة التي يستخدمها المجرمون في الابتزاز إلكترونيا ؟ - تستخدم العصابات طريقة الإيقاع بالضحايا من خلال فتاة وهمية ترسل للشاب طلب صداقة وتبدأ بالحديث معه والحوار معه والتقرب منه بهدف توطيد العلاقة وبعد أن تتمكن منه فعلا تطلب منه التوجه إلى أحد برامج الاتصال المرئي ليكتشف في النهاية أن كل ما دار بينهم من اتصال هو مسجل، وبعد ذلك يكتشف الضحية أنه وقع في فخ تلك العصابات، والتي تستخدم برامج خادعة في ترصد وإيقاع الضحايا. وبعد ذلك يتم تهديده وابتزازه بإرسال المحتوى إلى قائمة بأسماء الأصدقاء والأهل أو نشره في المواقع الإلكترونية أو دفع مبلغ مالي مقابل عدم نشره. ولابتزاز الشباب من الجنسين هناك الكثير من الطرق للأسف التي تستخدمها فئة كبيرة من هذه العصابات. أهمها الوصول للضحية والحصول على محتويات وصور ومن ثَم تهديد الضحية وابتزازه للحصول على مبالغ مالية. وقد يتم أيضا الوصول إلى الضحية من خلال التسلل غير المشروع إلى جهاز الحاسوب أو الهاتف الشخصي. أو مثلا قد يتم الابتزاز إذا ما فُقد الهاتف وداخله محتويات خاصة لهذا تعد جرائم الابتزاز كثيرة وأنواعها متعددة. هل هناك بلاغات قدمها ضحايا لعمليات ابتزاز إلكترونية؟ - هناك بلاغات بالفعل تلقتها الإدارة على سبيل المثال خلال عام 2016 أغلبها لحالات ابتزاز من عصابات متخصصة في هذا النوع، وللأسف هو باب عندما يفتح لا يتم إغلاقه بسهولة، خاصة إذا رضخ الضحية للمبتز بدفع أي مبلغ، وهو ما يعتبره المبتز نقطة ضعف كبيرة يستغلها ويبدأ في طلب المزيد دون توقف، وكل يوم تتزايد طلباته، والموضوع ليس على نطاق دولة قطر وإنما يمتد للعديد من الدول. وبشأن معالجة هذه المسائل أوضح أنه من الأوقع محاصرة الظاهرة في منبعها؛ حيث تم تحديد الأشخاص المبتزين في الجانب الآخر، وكم شخصا قام بتحويل مبالغ مالية لهم، وقمنا بحصر مبالغ كبيرة جدا، وهناك من قام بالإبلاغ وهناك من قام بتجاهل الأمر خجلا من الوصمة الاجتماعية. بماذا تنصح لعدم الوقوع كضحايا لهذه الجريمة؟ - أنصح جميع مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي بعدم الانجراف مع الصداقات المشبوهة وتطورها آخذين بعين الاعتبار وجود عصابات مختلفة تقتنص أي فرصة للإيقاع بهم، وبالتالي عليهم عدم قبول أو طلب صداقات غريبة وغير معروفة الحساب لديهم أو فتح رابط غريب يتم إرساله لهم. ونصيحتنا للأشخاص كذلك هي عدم الاحتفاظ بأي حسابات بنكية أو صور شخصية أو صور عائلية أو معلومات ذات خصوصية على أي حساب سواء على الكمبيوتر الشخصي أو اللوحي أو الهاتف المحمول، فكل تلك الأجهزة أصبحت مرتبطة بحيث إن أي اختراق لأي حساب سوف يستتبعه اختراق بقية الأجهزة الخاصة بك، وهو ما يجعل الاحتفاظ ببيانات شخصية على تلك الأجهزة غاية في الخطورة. كما يمكن للهاكر الدخول على حسابات الأشخاص المرتبطين معك على البريد الإلكتروني مثلا مثل الأولاد أو أيا من أفراد الأسرة. كذلك فإن كافة البرامج الحماية قابلة للاختراق، ولا يوجد حماية إلا الاحتفاظ بالبيانات والحسابات البنكية والصور والفيديوهات العائلية في فلاشات ميموري أو هارد ديسك خارجي أو أسطوانات مدمجة أو غيرها من وسائل الاحتفاظ بالبيانات بعيدا عن الشبكة. كيف عالج القانون القطري جريمة الابتزاز الإلكترونية وابتزاز الأطفال؟ - بالنسبة لجريمة الابتزاز نص عليها قانون العقوبات من قبل، وأكد عليها قانون الجرائم الإلكترونية في المادة التاسعة والتي نصت على: «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات، وبالغرامة التي لا تزيد على (100.000) مائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، في تهديد أو ابتزاز شخص، لحمله على القيام بعمل أو الامتناع عنه». وللأسف أن ضحية الابتزاز يكون في الغالب طرفا في الموضوع، خاصة الابتزاز غير الأخلاقي لأن الضحية هو من يبادر ويرضخ لطلبات المبتز. وموضوع الأطفال خصص له القانون القطري مادة منفصلة؛ حيث تحدثت عن استغلال الأطفال جنسيا من خلال تقنية المعلومات حيث نصت المادة السابعة من القانون على: «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات، وبالغرامة التي لا تزيد على (500.000) خمسمائة ألف ريال، كل من أنتج مادة إباحية عن طفل بواسطة وسائل تقنية المعلومات، أو استورد أو باع أو عرض للبيع أو الاستخدام أو تداول أو نقل أو وزع أو أرسل أو نشر أو أتاح أو بث مادة إباحية عن طفل بواسطة وسائل تقنية المعلومات. ويعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة، وبالغرامة التي لا تزيد على (250.000) مائتين وخمسين ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من حاز مادة إباحية عن طفل، ولا يُعتد في الجرائم المعاقب عليها في هذه المادة برضا الطفل، ويعتبر طفلاً في حكم هذه المادة كل من لم يتم من العمر ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة». هل هناك اتفاقيات أمنية مع الدول الأخرى بشأن الجريمة الإلكترونية؟ - طبعا هناك تعاون ثنائي عن طريق اتفاقيات، وهناك فريق قطري معني منذ عام 2009 وهو الفريق المعني بجرائم تقنية المعلومات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو يضع استراتيجيات وآليات عمل وتبادل معلومات وتبادل خبرات في مجال تقنية المعلومات، وكل منطقة لها فرق عمل وهناك ضباط اتصال بين تلك المناطق، بحيث إذا أردت أية معلومات يمكنك الحصول عليها وهي تحت مظلة الإنتربول. وحول النصائح للتعامل مع برامج التواصل الاجتماعي بحيث لا تكون خطرا على المستخدم قال: كنا في السابق ننصح ببرامج مكافحة الفيروسات، والآن المجرمون طوروا أنفسهم خاصة الهاكر لاجتياز الاحتياطات الأمنية التي توفرها برامج مكافحة الفيروسات، وأصبح عاتق الحماية الآن يقع على منتجي تلك البرامج ومدى ثقة المستخدمين فيها. ما هي أكثر الطرق شيوعا لاستدراج الأطفال والمراهقين للابتزاز ؟ - المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت تعد من أخطر أماكن استدراج المجني عليه سواء الأطفال أو المراهقين أو حتى الراشدين، حيث يبدأ الأمر بمجرد النظر ثم يتم ترحيل المجني عليه إلى المواقع الخبيثة المرتبطة بفيروسات تدمر له جهازه أو تسرق المعلومات المخزنة عليه أو الاستدراج للابتزاز بكافة أشكاله. هل هناك سرية في التعامل مع ضحايا الابتزاز وما عي مسؤولياتهم الجنائية ؟ - كل جرائم الابتزاز لها طابع السرية في التلقي وفي الاحتواء وفي المعالجة، وموضوع السرية غاية في الأهمية لدينا. وعن المسؤولية الجنائية للمبلغ .. نحن نتعامل في تلك الموضوعات من الناحية الاجتماعية وليس الجنائية، خاصة في جريمة الابتزاز غير الأخلاقي، أما أنواع الابتزاز الأخرى فنحن نأخذ الإجراءات الكاملة من الناحية القانونية، أما الموضوعات التي ترتبط بتبعات اجتماعية خطيرة مثل التي ينجم عنها تشهير فنحن نحرص على سرية البلاغات الواردة إلينا؛ ولذلك نحن نقوم بإجراءاتنا بعيدا عن الجانب الجنائي فيها، وهو ما يجعل ضحايا الابتزاز حريصين على تبليغنا بأي وقائع أو وقوعهم تحت ضغوط لابتزازهم حتى نعالج الأمر قبل أن تتفاقم الأمور ويصعب حلها. ما هي الإجراءات التي يجب على ضحايا الابتزاز اتباعها؟ - إذا أراد أن يحصل على أقصى سرية في الموضوع فعليه التواصل المباشر معنا في مقر إدارة البحث الجنائي بمنطقة الدحيل، أو عن طريق مطراش-2 (إدارة البحث الجنائي/ بلاغات)، أو الخط الساخن 66815757 أو البريد الإلكتروني الخاص بالقسم cccc@moi.gov.qa، حيث يمكن التواصل عبر تلك الوسائل وإن كان التواصل المباشر يوفر أقصى درجات السرية.;