هموم السياسة العربية أسقطت كل مشروع تنموي، تعليمي، اقتصادي، واجتماعي، فقد تزوجتنا الأحداث وقتلتنا، لبسناها أثواباً، وأخذناها فكراً، ووضعناها هدفاً سامياً، فكانت الإخفاقات أعلى من سلالم الرقي والنهضة الطبيعيين.. اليمن جزء من هذه الأمة، أصيب بحمى تداعياتها المختلفة، ولأن المركب القبلي ثم المذهبي هما ركيزة الأمن والقلاقل، فقد حكم برؤساء وأحزاب، لكن ظِلّ القبيلة كان الأقوى والأوسع نفوذاً، سواء بحكم شيوعي أو مدني بغلاف قبلي، ولذلك كان أي محاور من هيئة عليا حكومية، وبالذات من الدول الداعمة له مادياً، يغرق في إشكالات الترضيات والحصول على توافق مع تلك التي تقاسمت النفوذ، ومع بذل مساع لإعمار اليمن ضمن معونات وصناديق وهيئات تخطيط عليا من كل الأطراف، فقد سجلت معظمها فشلها رغم سخاء البذل والسبب لا يعود للشعب الذي ظل مطحوناً ومغلوباً على أمره طيلة سنواته الخمسين الماضية، وإنما لغياب الدولة ونفوذها.. الآن وسحب الفوضى تلف اليمن، فقد سُحب سفراء، ونُدد بالانقلاب على السلطة الشرعية ومطالبات بعقوبات في إطار البند السابع، عدا أن تقريراً للأمم المتحدة يضع أكثر من ستين في المئة على خط الفقر واحتياجاتهم تتنامى، وبعيداً عن النتائج المحتملة والتي تطرح صوراً أكثر سوءاً سواء بصدامات تؤدي إلى تحالفات قبلية ومليشياتها، أو صعود القاعدة وتحولها إلى داعش جديدة مقابل الحوثيين تلتف حولها فئات من مختلف المذاهب، فإن ذلك يضع الأمن على خط نار ساخن ومعقد.. الحوثيون انتهجوا سياسة القوة بإخضاع الجميع لسيادتهم بما في ذلك الإطاحة بالحكومة، معتمدين على دعم شامل من إيران، وهذا أمر طبيعي حين تستند أي سلطة على قوة خارجية وهذه التجارب عرفها التاريخ العربي منذ أول انقلاب في سورية، وآخر حروب عسكرية قبل حروب الجماعات الإرهابية، ومع ذلك كان الإخفاق أقوى من النجاح.. اليمن، سواء بحكم علي صالح، أو الحوثيين، أو غيرهما فإن من حكموا يعرفون تماماً أنه لا يمكن مقايضة الدعم الإيراني بالدعم الخليجي، لأن الأرقام وحدها المستند والوثيقة، والكثيرون لا يخفون أمانيهم بدخول إيران اللعبة المعقدة، ونتذكر كيف كانت مأساة الجيش المصري، وقبلها عجز الأتراك، العثمانيين عن احتلاله، وحتى بريطانيا استولت على عدن وما حولها كقواعد مفتوحة وغير معقدة جغرافياً، وإيران قد تنجح في تحالفها مع الحوثيين، وتتحدث عن تمدد ثورتها وأنها أصبحت القوة التي لا تقهر في العديد من الأقطار العربية، لكن دائماً ما يكون النجاح في مثل هذه السياسات مرهوناً بالمستقبل، ولا ندري إذا كانت قادرة على الصمود ليس بأساليب الردع بالقوة، وإنما كسب الشعب اليمني بتوفير مستلزماته الأساسية في المعونات العاجلة من الطعام والدواء ودفع الرواتب للمدنيين والعسكريين ثم التحول للدولة الراعية لتنميته الاقتصادية والاجتماعية وهي التي تعاني من وضع مادي واقتصادي وتذمر داخلي قد يعجل بخلق اضطرابات داخلية في عمق إيران؟ دول الخليج العربي لا يمكن أن تعاقب الشعب اليمني بسبب سلطته إلاّ إذا وصلت الأمور إلى قطيعة سياسية، وهنا لن يعود اللوم عليها وإنما من يجد نفسه مسؤولاً أمام هذا الشعب، وفي كل الأحوال لا نتمنى أن يغرق اليمن بهموم توصله إلى حافة الهاوية.