الديموقراطية في أمريكا إحدى سمات بروزها قوة عظمى، لكن هذه الديموقراطية تحكمها أطر وحدود ومواقع تتسع وتنكمش تبعاً لأهداف مرسومة، لكن من غير المعتاد أن تتعارض سياسات الدولة بين الحزبين الحاكمين الديموقراطي والجمهوري بأن تكسر القواعد الإستراتيجية التي تقوم عليها منطلقات هذا البلد، إلاّ أن دعوة أعضاء الكونجرس من قبل الأغلبية الجمهورية «نتنياهو» لإلقاء خطاب غايته عرقلة اتفاق حول المشروع النووي الإيراني الذي قد تتفق عليه مجموعة (5-1) كان تحدياً غير عادي بين الرئيس أوباما، ونتنياهو، والذي سيكون ضيفاً ثقيلاً على الرئيس وحزبه الديموقراطي.. السؤال هل يمكن لمسؤولين حلفاء لأمريكا مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا أو اليابان كقوة كبرى في آسيا إعطاء مثل هذه الفرصة لشرح معارضتهم للسياسات الأمريكية وتعارضها مع مشاريعهم، أم أن ذلك يقف على إسرائيل وحدها التي تؤكد أن قوتها كضغط وتأثير على صانع القرار يبين أنها الحليف الأوفر حظاً حتى مع دول عظمى، وأنها تستطيع فعل ما لا يقدر عليه أعضاء في الكونجرس، أو مجلس الشيوخ أو أي قوة أخرى في الداخل والخارج؟ بصرف النظر عما يحمله الخطاب من تداعيات على اضعاف أيّ من الجانبين الرئيس الأمريكي، أو رئيس الوزراء الإسرائيلي، فالثابت أن إسرائيل الحليف الأقوى مما لا يغير بالاستراتيجيات أو التعاون المفتوح وهذا يوضح بلا جدل أن الأهداف الإسرائيلية توازي، أو تتفوق على أهداف أمريكا الداخلية، وسرّ تفوقها على رسم أي سياسات تريد تمريرها عبر قواها التي قد تقطع حتى على رئيس الدولة علاقاته الخارجية إذا كانت تمس أمن أو رغبات إسرائيل هي الأولى والأخيرة.. الاحتمالات بمن ينتصر الرئيس الديموقراطي وحزبه، والذي غالباً ما يرى ساسة إسرائيل أن تعارضاً تاريخياً معهم، والذي لا يصل إلى تغيير في الأساسيات، إلاّ أنه في غالب الأحيان لا يتطابق مع الرؤية والهدف مع الإسرائيليين. موضوع امتلاك إيران سلاحاً نووياً يراه نتنياهو مسألة رهان مصير مع أي دولة إسلامية وعربية، ولذلك حين أقدمت على تدمير مفاعل العراق كمشروع بدائي ثم ألحقت به آخر في سورية، هي من اختار التوقيت وتنفيذ العمليتين بدون استشارة أو أخذ إذن من الحليف الأكبر، وقد كانت النوايا بضرب مفاعلات إيران على رأس أولويات نتنياهو وكان العائق العامل «اللوجستي» والذي كان لتنفيذه المشكلة ولابد من معونات أمريكية وهو الذي منع العملية، لكن يبقى عامل الخلاف قائماً لمن تكون المصلحة لو نفذت العملية؟.. فهل إلقاء الخطاب يعتبر تعدياً لكسر صلاحيات الرئيس الأمريكي وتعدياً على سيادة دولة؟ أم أن الجمهوريين هم من ذهبوا إلى الرغبة بإحراجه وتعريض سياسته للانتقاد معززين دورهم ب «اللوبي» الإسرائيلي، ثم لإعطاء نفس بطولي لنتنياهو للفوز بالانتخابات القادمة كحليف موثوق، ومتطابق الرؤى والسياسات معهم؟ تقليعات أمريكا ليست فقط في الفنون والمبتكرات وسيادة العالم، وإنما بقبول من يتحداها من داخل قلاعها في الكونجرس، وهنا يجب التفريق بين من رفع العصا بوجه الآخر إذا ما كان الأمر يتعرض لأمن إسرائيل، والتي تظل الولاية الأولى قبل كل الولايات الأخرى في الرعاية.