أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أمس، في بيان صحافي، أن الوفد الدبلوماسي الإيراني إلى مفاوضات آستانة حول سوريا، بدأ مشاوراته «التمهيدية» مع الوفدين التركي والروسي لدى وصوله أمس إلى العاصمة الكازاخية. وقال حسين جابر أنصاري، مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية ورئيس الوفد، إن طهران ستبحث «تثبيت الهدنة والحوار السوري السوري المتمثل بالنظام وفصائل المعارضة، تهميدا للوصول إلى مخرج سياسي في الأزمة السورية». بينما طالب نواب في البرلمان بالامتناع عن تقديم تنازلات لمن وصفوهم بـ«الإرهابيين»، مطالبين الوفد الإيراني بالانسحاب من طاولة المفاوضات في حال تعرّضت مصالح «محور المقاومة» للخطر. كان الوفد الإيراني برئاسة أنصاري قد وصل في وقت متأخر من الجمعة إلى آلماتي - العاصمة الاقتصادية حاليًا والعاصمة السياسية القديمة لكازاخستان - قبل التوجه إلى آستانة. وقال أنصاري: «إن الوفد يمثل حكومة أعلنت منذ البداية ألا حل عسكريًا للأزمة في سوريا، بل يجب التوصل إلى مخرج بالطرق السلمية والمفاوضات السياسية الجادة»، موضحا أن الوفد الإيراني وصل آستانة مبكرًا بهدف إجراء مشاورات تمهيدية مع الوفدين التركي والإيراني. إعلان الخارجية الإيرانية أمس، تزامن مع تصريحات لاثنين من أبرز أعضاء لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان الإيراني، كانت أكثر وضوحًا في توضيح ما تسعى طهران إلى تحقيقه في آستانة. إذ طالب حشمت الله فلاحت بيشه، عضو اللجنة، بعدم تقديم التنازلات، مشددًا على وجوب مواصلة سياسات طهران السابقة القاضية بخروج من وصفهم بـ«الإرهابيين» من سوريا، والإصلاح السياسي والانتخابات. كذلك طالب بضرورة متابعة المفاوضات الدبلوماسية وفق «المعطيات الميدانية» بهدف «الوصول إلى نتائج مثمرة». واعتبر أن الأزمة السورية تقابل جبهتين: الأولى «غير صادقة» تضم أميركا وتحالفًا من 40 دولة «ساعد على تمدد الإرهاب» - حسب زعمه - والثانية بقيادة إيران و«حزب الله» وهي - حسب زعمه - «الجبهة الصادقة». وتعليقا على ما تردد عن حضور أميركي في مفاوضات آستانة، ورفض طهران هذا الحضور، قال فلاحت بيشه لوكالة «مهر» الحكومية: «في ظل غموض موقف واشنطن من الوضع الميداني في سوريا، وكذلك سلوكها غير الصادق وقصف مواقع الجيش السوري، وهو ما تقوم به تركيا حاليًا، يبدو من المؤكد أن الحضور الأميركي غير مفيد». ومن ثم، وجه فلاحت بيشه تحذيرات إلى موسكو، قائلا: «على الروس عدم التضحية بالمناخ الإقليمي من أجل علاقاتهم الدولية». وأضاف أن «الدعوة الروسية لترمب تهدف، على ما يبدو، إلى تعزيز العلاقات بين الجانبين، وليس من أجل سوريا». وتابع عضو لجنة السياسة الخارجية الإيراني، أن «فريق ترمب ما زال في طور تسلم السلطة، ومواقف إدارته ليست واضحة بعد». وفي موقف مشابه، حذر عضو آخر في لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي، هو مجتبى ذو النور، من «تقديم امتيازات» للطرف المقابل في اجتماع آستانة. ولفت إلى أن أميركا «تريد الحضور على طاولة المفاوضات للتأثير على النتائج»، متهمًا واشنطن - وفقا لوكالة «مهر» - بالسعي وراء إلحاق أضرار بـ«محور المقاومة وتحالف إيران وروسيا». ولمح ذو النور إلى احتمال انسحاب إيران من المفاوضات، مشددا على أن ذلك يتعلق بإدارة المفاوضات وقرار الوفد الإيراني. وتابع: «يجب ألا نغيب عن المفاوضات، لكن علينا أيضا أن نكون حذرين من تقديم امتيازات، وفي حال تعرضت مصالح محور المقاومة للخطر، عندها نترك طاولة المفاوضات». وفي هذا السياق طالب بضرورة أن تحافظ إيران على «اليد الأعلى في مفاوضات آستانة، وعدم التأثر بالأطراف المشاركة». أما على صعيد الداخل الإيراني، فلقد شهدت إدارة الملف السوري تجاذبات بين الحكومة ومنتقدي سياستها الخارجية، بما فيها الأوساط المقربة من الحرس الثوري الضالع في الحرب السورية إلى جانب نظام بشار الأسد. وخلال الأيام الماضية أعلنت طهران رسميا رفضها مشاركة أميركا في مفاوضات آستانة، على لسان كل من الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، مع العلم بأن ظريف برر الحضور الأميركي بأن الدعوة وجهها البلد المستضيف، نافيا أن تكون الدعوة من الثلاثي الروسي والإيراني والتركي. وتدعي طهران أن معارضتها نابعة من عدم التزام أميركا بوعودها في سوريا، من دون تقديم تفاصيل عن مكان وزمان تلقي طهران لتلك الوعود، ولا طبيعة المفاوضات التي جرت بين طهران وواشنطن حول الملف السوري. ومع أن طهران حاولت خلال الفترة الماضية توجيه رسالة مفادها ألا تباين بين موقفها والموقف الروسي بشأن توجيه الدعوة لأميركا في اجتماع آستانة، أوضحت صحيفة «وقايع اتفاقية»، المقربة من الخارجية الإيرانية، أمس، أن الرفض الإيراني القاطع يأتي نتيجة: أولاً، استنادًا إلى «انطباع إيراني بإمكانية تحقيق فوز دبلوماسي في مفاوضات آستانة، قبل أن تتمكن إدارة ترمب من الدخول على خط الأزمة السورية، وبذا تخرج إيران بمظهر المنتصر من المفاوضات، وزيادة ثقلها الدبلوماسي» بعد تحقق مطالبها. وثانيا أن «تهميش دور أميركا في المفاوضات واقتراب تركيا من المحور الإيراني - الروسي يجعلان طهران قاب قوسين أو أدني من تحقق هدفها الاستراتيجي بإضعاف الدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط».