×
محافظة المنطقة الشرقية

أحمد مال الله: فوزنا على العين ليس مفاجأة

صورة الخبر

لا يقابل حيرةَ «المنتدى الاقتصادي العالمي» المنعقد للمرة الـ47 في دافوس، في أعالي جبال الألب السويسرية، سوى وضوح «أوكسفام» (تأسست في بريطانيا عام 1942 باسم «لجنة أوكسفورد للإغاثة من المجاعة»، ونمت وصارت مذاك عالمية). الأول يتساءل مصدوماً: «كيف وصل العالم إلى هذا؟»، ويقصد تعاظم التيارات «الشعبوية»، العنصرية واليمينية والمنغلقة، في عقر دار الرأسمالية العالمية، مع علامات كانتخاب ترامب للرئاسة في الولايات المتحدة وحصول بريكزيت في بريطانيا وسائر ما يلوح في أفق أوروبا. والثاني يصدر تقريره السنوي عشية افتتاح أعمال المنتدى (17 - 20 كانون الثاني - يناير) حاملاً عنواناً معبراً: «اقتصاد في خدمة 99 بالمئة»، وملقياً بقنبلته عن الثمانية الأغنى في العالم الذين يملكون ما يملكه 3.6 بليون إنسان هم نصف البشرية الأفقر، معتبرين أننا وصلنا إلى «هذا» بسبب «هذه»، أي تعاظم الفوارق في الدخول والثروات عاماً بعد عام. «دافوس» (اختصاراً) لقاء سنوي يضم كثيرين من أغنياء العالم، أصحاب شركات كبرى، كما قادة سياسيين، وأيضاً ممثلين عن منظمات غير حكومية تمتاز بأنها فعلية وفعالة، سواء كانت عالمية (وهي بهذا تشبه «أوكسفام»)، أو محلية وعاملة في بلدان من خارج دائرة «مجموعة العشرين». في تقرير الافتتاح لهذا العام، أعلنت بيانات المنتدى النسب التي تؤلف الـ3000 مدعو ومشارك، والتي تظهر تنوعهم الشديد. وهذا العام، افتتح الرئيس الصيني جينبنغ المنتدى، وهو أيضاً رئيس الحزب الشيوعي في بلاده. وهو دافع عن العولمة ودعا إلى المزيد من الانفتاح الذي صار غير قابل للتراجع عنه لأنه «كالمحيطات وهي لا تتحول بركاً»، ومزيد من التنسيق والتشاور وليس التبادل التجاري فحسب، معدداً عيوب ونواقص هذه السيرورة «الإيجابية إجمالاً»، والتي قال أن الصين استفادت منها كثيراً، ومشيراً بالمقابل إلى أن الانفتاح «سلاح ذو حدين»، وينبغي العمل على ضبط «الفوضى» الناجمة عنه و «عدم اليقين» الذي يصاحبه. مداخلة استراتيجية بإجماع الشهادات فيها، سجلت إعلان خروج العملاق الأصفر نهائياً من سياسة التواضع والتواري التي خطط لها واتبعها هسياو بينغ سلف الرئيس الحالي.   الحيرة إذاً... شبح ترامب خيّم على المنتدى، وعززت مداخلة رئيسة الوزراء البريطانية الاتجاه المتبنى من جانبها لبريكزيت قاسٍ، والهاجس من محاكاة يمكن أن تتخذ أشكالاً مخيفة في منطقة عرفت النازية والفاشية قبل عقود ليست بعيدة. وكل ذلك أضاء على الأزمات الإنسانية الكبرى القائمة، وعلى رأسها النزوح الجماعي بسبب الحروب والتغييرات المناخية المولِّدة خراباً اقتصادياً عظيماً، أو كليهما معاً وهما مترابطان في غير مكان. وتساءل المنتدون بدهشة ورعب عمّا كان سيئاً إلى هذا الحد. لكنهم، وإنْ لامسوا مسألة تفاوت الدخل، فإنهم بقوا على ضفافها. مؤسس المنتدى، الاقتصادي الألماني البروفيسور كلاوس شواب، يعتبر أن التنمية يجب أن تقود البشر خارج الفقر، ويدعو في المنتدى إلى التنبه لمبالغات العولمة وللحاجة إلى مزيد من «التركيز على النموذج الإنساني في التنمية العالمية». وحتى كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، تعتبر أن مشكلة التفاوت الكبير في الدخل في أي بلد عائق أمام التنمية، وهو ما يبدو نقداً ذاتياً صار البنك وصندوق النقد الدوليان يمارسانه موحيين بيقظة لديهما حيال توصياتهما التي تؤدي إلى تعميق الفوارق تلك. إلا أنه لا يُلمس أثر لهذه اليقظة في التطبيق! حتى جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي المغادر، دعا في مداخلته (التي شكل عصبها الأهم هجومه على روسيا بوتين) إلى «إنقاذ النظام الليبرالي العالمي» باعتماد «الوسائل الضرورية لخفض الاتجاهات الاقتصادية المسببة للفوضى في البلدان المتقدمة التي تفسد الشعور بالكرامة لدى الناس، وهو أساسي». بالطبع، لا الكلام الجميل ولا حتى النيات الطيبة تطعم الجوعى، ولن يؤثر في مصائرهم ما ستخرج به 400 جلسة متنوعة، خُصِّص نصفها لـ «الدمج الاجتماعي والتنمية»، وهو أمرٌ دال. فبتجنب تعيين أصل المشكل، يغدو وصف النتائج المترتبة عليه، وبالأحرى بعضها، مجرد ثرثرة، كما قالت رئيسة أوكسفام. وقد اختار المنتدى لهذا العام شعاراً طموحاً: «قيادة مسؤولة وتفاعلية»، لكنه يبدو رداً على تسلق ترامب للرئاسة الأميركية أكثر مما هو لتعيين المخارج الممكنة. تقول أوكسفام في تقريرها السنوي الصادم ذاك أن مجموع ثروات الثماني الأغنى في العالم خلال العام الماضي، 2016، يصل إلى 426 مليار دولار، وأنه لزم تجميع ثروات 62 مليارديراً في عام 2015 لبلوغ هذا الرقم، ما يعني أن تركيز الثروة يتعاظم بوتائر متسارعة عاماً بعد عام، كما الفروقات. فيردّ على التقرير أكثر من مُنتدٍ بمحاجّة غريبة: «على أوكسفام المعنية بالفقر في العالم أن تخصص جهودها وانتباهها لمحاربته وخفضه لا أن تكون منشغلة إلى هذا الحد بالأغنياء»، وفق تصريح أحد مديري معهد الشؤون الاقتصادية في بريطانيا، الذي يعتبر أن تركيز هؤلاء «يجب أن ينصب على الإجراءات التي تُشجع النمو الاقتصادي»، فيما يضيف مدير الأبحاث في معهد آدم سميث أن «الذي يهُمّ هو رفاهية فقراء العالم وهي تتحسن كل عام، لا ثروة أغنى الأغنياء»، معتبراً أن إحصاءات أوكسفام في شأن الثروة «تضللنا كل عام على رغم صحتها» (فهي مستقاة من معطيات البنك الدولي وبنك كريدي سويس) «لكن تفسيرها ليس جيداً». وإن كانت هذه التعليقات تعبر عن منطق انفصامي بالكامل وتبدو خارج الواقع، فقد وُجِّهت انتقادات «تقنية» للتقرير تشير إلى تغيير في منهجية الحسابات أدى إلى تعظيم هذه النتائج، من دون إنكار الخلاصة التي وصل إليها، وهي تفاقم أزمة التفاوت في الدخل، بالتالي تقدم الفقر المدقع. وهذا يموهه، وفق أوكسفام، اعتماد معيار «الدخل الوطني الخام» (PIB أو GDP)، داعية إلى التخلي عنه في الدراسات والتقارير الاقتصادية، موردة أمثلة من بلدان كزامبيا التي تبدو وفق مقياس الدخل الوطني الخام في حال جيدة بسبب وجود تركيز للثروة لدى بضعة من أبنائها بينما الغالبية الساحقة في حال بائسة، أو كفيتنام حيث بلغ دخل شخص واحد في اليوم ما يحتاج آخرون إلى عشر سنوات من العمل لبلوغه... وهذا علماً أن 50.72 في المئة من البشر الأفقر عالمياً يعيشون في أفريقيا التي كانت غائبة عن المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام.