وأصبح دونالد ترمب رئيسًا للولايات المتحدة وأدى اليمين الدستورية وبدأ عهده في البيت الأبيض. وانتهت مرحلة الصدمة والإنكار ولوم الناخبين على انتخابه وأصبح رئيسًا وبات أمرًا واقعًا. ألقى دونالد ترمب خطابًا «عنيفًا جدًا» يوضح فيه اتجاهات سياساته وكيف أنه سيعيد الحكم للناس وأن واشنطن ستكون ملكًا للشعب الأميركي بعد سنوات من سيطرة النخبة السياسية عليها. وأكد دونالد ترمب أن أميركا ستأتي أولا وأن كل سياساته سيكون هذا مبدأها الأول والأساسي، وأكد أن سياساته في مواجهة كل المخالفين من المهاجرين واللاجئين ستكون حادة وجادة وفورية، وأنه سيشن حربًا بلا هوادة على «الإرهاب الراديكالي الإسلامي» حتى لا تقوم له قائمة. الخطاب كان حادًا حتى بالنسبة لخصومه، فهو ألقى باللوم على كل الرؤساء الذين سبقوه (من الحزبين الجمهوري والديمقراطي) ولامهم كل اللوم على مآسي الجريمة والمخدرات والوضع الاقتصادي المتردي بحسب توصيفه. وبالنسبة للسياسة الخارجية وضح دونالد ترمب أنه سيعيد النظر في علاقات أميركا مع العالم وأنها لن تسمح للشركات بأن تصنّع خارج أميركا من دون أن تتحمل التكلفة، وأن العلاقات سيتم إعادة تقييمها بحسب المفيد لأميركا ولن يسمح بأن تستفيد الدول المحسوبة كحليفة دون أن تستفيد أميركا من هذه العلاقة. الحلفاء قبل الأعداء يترقبون أول مائة يوم من فترة رئاسة ترمب لأنها سوف تكون أشبه بالترمومتر وأداة قياس لمعرفة اتجاه خياراته وسياساته وقراراته. إيران تترقب اتجاه ترمب وما إذا كان سيعيد المباحثات والنقاش بخصوص الاتفاق النووي، وكيف ستكون علاقتها بأميركا في منطقة الشرق الأوسط بعد فترة مهمة من التمكن والانتشار وتوسيع النفوذ. الصين هي الأخرى تراقب تحركات ترمب، فهو يبدو أنه غير مصرّ على تبني سياسة «الصين الواحدة» ويغازل تايوان دومًا ولا يخفي هذا الأمر أبدًا ويعتبر ذلك نوعًا من وسائل الضغط على الصين بشكل أو بآخر، ولكن الملف الأهم هو الخوف من إعلان حرب تجارية كاملة على الصين لإخضاعها لأن تعيد تسعير عملتها بشكل تجاري حقيقي وليس بقيمة وهمية ومدعومة والانصياع لشروط التصدير والتسعير الحقيقي للسلع والخضوع لمواصفات وقياسات عالمية، وهي مسائل كانت الصين دومًا ما تتحايل عليها نظرًا لوجود مصالح أهم وأكبر، وفي ذلك الأمر كان يتم التغاضي عن ملاحقة الصين لمخالفتها. أوروبا أيضًا ستراقب باهتمام شديد موقف ترمب منها ومن حلف الأطلسي ومدى استعداده لمواصلة الدعم «اللامحدود» والتعهد المطلق الذي كانت عليه الأمور من قبل، لأن ترمب رجل ينوي أن «يحسب» الفائدة المرجوة لكل علاقة قبل «الاستثمار» فيها. أما منطقة الشرق الأوسط فهي مرشحة لأن ترى تغيرًا في العلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة؛ فبعد مشروع أوباما مع الإسلام السياسي والمغامرة غير المحسوبة التي خلفت الدمار في الشرق الأوسط كما هو الحال، يأتي ترمب بمفهوم مكافحة الإرهاب وبكافة أسبابه وصوره، وسيتعاون في هذا الأمر مع دول محورية ومستقرة مثل السعودية والإمارات ومصر والأردن كما صرح. والأكيد أن الخطاب المتطرف سيواجه خصمًا جادًا سيوظف العتاد والمال والسلاح والسياسة لمواجهته. دونالد ترمب وصل، وهو آت بمخزون سياسي جدلي ورأي شعبي متدنٍ يوافق على سياسته في أول فترة رئاسية كلها تحديات، ولكن الرجل يأتي إلى المنصب بلا شيء يخسره، فلقد حقق كل أحلام حياته ونجح في كل تحدياته ويريد أن يترك إرثًا شخصيًا ببصمته في الرئاسة الأميركية حتى ولو كان جدليًا، ولأجل ذلك سيتعاون مع ألد أعداء أميركا المتمثل في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاستغلاله لتحقيق إنجازاته وأهدافه.