أبواب الخير والبر والصدقة لا حصر لها، الابتسامة أحدها، وإزالة الأذى من طريق الناس من ضمنها، كما وحمل الطعام إلى من يحتاجه من أجلها. وإنك حين ترى رجلاً من عامة الناس يبذل نفسه ووقته وماله لمساعدة محتاج أو إغاثة ملهوف فإنك تكبر فيه هذه الخصلة النبيلة،لكنك تجلّه أكثر إن كان فاعل البر هذا سليل بيت حكم وأميرًا في مقتبل شبابه عندما يتخلى عن مظهره الأرستقراطي وقيوده البروتوكولية فينزل إلى الميدان، أما في الإغاثة أو المساعدة المباشرة. في وقتنا الراهن تخشى من أن يفسر امتداحك لصنيع شخصيَّة عامة على أنّه تزلف، وإن كانت هذه شائعة في زماننا، لكن حسبي أن (ما صدر من القلب يدخل القلب) والنوايا كفيل بها العزيز الحكيم، ثمَّ إنّه لا بُدَّ من شكر الناس لنشكر الله حين يفعلون الخير، حثًا على هذا الخير وإعلاء لقيمه والله المستعان. من أروع أمثلة العطاء والعون والإغاثة، ما قام به الشيخ خالد بن حمد نجل ملك البحرين حين خاض البحر مسافة 42 كلم انطلاقًا من شواطئ المملكة باتجاه مملكة البحرين في إطار (سباحة التحدي) والمخصص ريعه لصالح مرضى السرطان في بلاده!. انطلق في الخامسة من صباح يوم الجمعة قبل الماضية - لاحظ الوقت - وأنهى المسافة في قرابة عشرين ساعة رغم الأمواج والرِّياح المعاكسة لاتجاهه. وبشيء من التأمَّل في هذه المبادرة وصاحبها ونبل غاياتها تتضح لك صور مشرقة عدة، منها أن هذا الأمير أعطى صورة مغايرة تمامًا للانطباع السائد عن أبناء الخليج عمومًا وأبناء الطبقة الحاكمة خصوصًا، بأنّهم يعيشون حياة الترف وبعيدون عن ارتقاء المهام الشاقة أو الإنجاز البدني الرياضي وغيره. وهذه الصورة النمطية تجدها لدى شعوب الدول العربيَّة أكثر، نظرًا لمشكلة تعميم النماذج السلبية على المجتمعات وهذا التعميم يميل إليه كثير من البشر عمومًا إلا العقلانيين. وبالمناسبة تشير دراسات إلى أن كثيرًا من أبناء القادة والسياسيين والبارزين في مختلف المجالات يتأثرون بتميز آبائهم فيبرزون بدورهم، على عكس التصور السائد بأنّهم يقعون فريسة الرفاهية فيخرجون إلى معترك الحياة دون همة عالية أو طموح كبير، وهي في النهاية غرس وتربة جودة الحصاد بصلاحها، ليست هناك احصائيات دقيقة بالطبع كما أنّه ليست هناك قاعدة لا تحيد. إن هذا النشاط البدني المتمثِّل في سباحة هذه المسافة الطويلة في بحر متلاطم وفي هذا الفصل من السنة هو عسير على السباحين العالميين فما بالك بالرياضي العادي وما ظني أنّه عادي بعد ما خاض هذه الغبة بكلِّ شجاعة وبأس. يقول الشيخ خالد بن حمد: (جاء قراري بخوض تحدٍ رياضي ونفسي وجسدي من نوع فريد وسط الأمواج وفي عمق البحر، يواجهه تحدٍ داخل غرف العناية الطّبية لمرضى السرطان، أومن بأن المساعدة واجب على كلّ إنسان كل حسب إمكاناته) في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط. إنه بالنظر إلى كونه نائب رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة ورئيس الاتحاد البحريني لألعاب القوى، إضافة إلى مقامه سياسيًّا واجتماعيًّا، تُعدُّ مبادرته الحضارية هذه تحقيقًا لمبدأ القدوة والمثل تحفز من هو في مقامه ومنصبه وبقية شباب الخليج الذي يجود حقيقة بنماذج مشرفة علميًّا ومهنيًّا، على أعمال البر والتطوع وفعل الخير للناس جميعًا، وان الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. ولا يخفى هنا أن هذا الرجل أعطى صورة عن أحقيته برئاسة اتحاد القوى والمجلس الأعلى للشباب والرياضة كنائب بهذا العمل الرياضي والجهد البدني العظيم تحقيقًا لأهداف الرياضة السامية، عكس كثير من القيادات الرياضيَّة في الوطن العربي التي تتخذها كمنصب. خير الناس أنفعهم للناس، ومن تواضع لله رفعه الله. والله يرعاكم بكريم عنايته.