×
محافظة المنطقة الشرقية

عصر ترامب يمنع الصحافة من تغطيته

صورة الخبر

د. علي جمعة ينبغي على المسلم أن يتحرى طعامه وشرابه، فلا يأكل حراماً ولا يتناول شراباً محرماً، فقد حذرنا صلوات الله وسلامه عليه من أكل الحرام لأنه يقود صاحبه إلى جهنم وبئس المصير، كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم بأن المحافظة على أكل الحلال تجعل الدعاء مرجو القبول، وأن تناول ما حرمه الله، وما كان مصدره من حرام يحرم الإنسان من نعم كثيرة، ويحجب عنه عفو الله ورحمته. جاء في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن أبي وقاص، قال: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعاء. فقال له: يا سعد أطب مطعمك تستجب دعوتك، والذي نفسي بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام من جوفه ما يتقبل منه أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به. ورسول الله صلوات الله وسلامه عليه علمنا كيف نحرص على الطيب الحلال في كل ما نأكله ونشربه فقال في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: يا أيها الناس إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً، وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ويقول يا رب، يا رب، ومطعمه من حرام، ومشربه من حرام، وملبسه من حرام، وغذي بالحرام فأنى أي فكيف يستجاب له؟. ومن هذه الأحاديث والتوجيهات النبوية الكريمة يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المحافظة على الحلال في كل شأن من الشؤون تعين على إجابة الدعاء وقبوله عند الله.. أما التشبع من المال الحرام، فإنه يميت القلب، ويجعل الدعاء بعيداً عن الإجابة والقبول. كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه لا يأكل طعاماً ولا يشرب شراباً إلا إذا عرف أنه أتاه من طريق حلال، وكان من عادته أن يسأل خادمه عن مصدر ما يحضره له من طعام أو شراب، وفي يوم من الأيام اشتد الجوع بأبي بكر، وأكل من الطعام الذي أحضره له خادمه من دون أن يسأله عن مصدره.. فتعجب الخادم وسأله: لقد كنت تسألني كل يوم عن مصدر الطعام فما بالك اليوم لم تسألني كعادتك؟ فتوقف أبو بكر عن الطعام خائفا مضطربا وقال لخادمه: لقد أنساني الجوع ذلك، فمن أين جئت به؟ فقال الخادم: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية فأعطاني هذا الطعام.. فأدخل الصديق أصابعه في فمه وجعل يتقيأ ما أكل وهو يصيح: لقد كدت تهلكني يا غلام.. ثم أخذ يدعو الله ويقول: اللهم اغفر لي ما شربته العروق واختلط بالدماء لأنه لا يستطيع إخراجه، فقيل له: أتفعل كل ذلك من أجل هذه اللقيمات؟ فقال: والله لو لم تخرج إلا مع روحي لأخرجتها، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به ولقد خشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقيمات الحرام فأصير بسببها إلى النار. والطريق إلى الطعام الطيب واضح ومعروف لكل مسلم، فلابد أن يكون مصدر الدخل حلالاً ليس فيه شيء من الرشوة أو السرقة أو الاختلاس أو الاغتصاب أو التدليس أو الغش، ويكون أيضاً بعيداً عما حرم الله من المطعومات كالخمور ولحم الخنزير والميتة والدم المسفوح.. قال تعالى: قل لا أجد في ما أوحي إلى محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم. كما أن طيب الطعام يعني أن يكون الطعام نفسه طيباً في مذاقه وفي إعداده.. والذي يطلب هذا النوع من الطعام هو رقيق القلب رهيف الحس فلا يدفعه الجوع لملء البطن من دون تلذذ بالتذوق والاستحسان، وهي صفة نراها في قوله تعالى عن أهل الكهف بعد بقائهم 309 سنوات في سبات ونوم: فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحداً. فالجوع لم يدفعهم إلى طلب أي أكل ولو كان حلالا في ذاته وفي مصدره، بل طلبوا أن يكون مرتبطا بأنه الأزكى ثم تشير الآية إلى كمية الطعام وأنها برزق منه سبحانه. وهنا نرى العلاقة مع الطعام نتيجة تزكية النفس ونرى في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تزكية النفس من طيب المطعم يقول: الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له؟. ولا يفوتنا هنا أن نؤكد أن الإسراف في تناول الطعام والشراب وإهداره سلوك يجلب للمسلم غضب الله وعقابه.. فالذي يسرف في طعامه وشرابه، والذي يلقي به في صناديق القمامة ولا يعرف كيف يستفيد من بواقي طعامه بادخارها وتناولها وقت الحاجة أو تقديمها للفقراء والجوعى هو إنسان مستهتر بنعم الله لا يقدرها حق قدرها، ولا يلتزم بالأمر الإلهي الواضح وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين.. فكم الطعام مهم من الناحية الصحية كما هو مهم من الناحية الاقتصادية، ولذلك يعلمنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه أن القليل من الطعام أكثر فائدة وبركة من الكثير، ويضع للمسلم عياراً معتدلاً ومناسباً من الطعام والشراب فيقول: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات وفي رواية لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. وقد أدرك كل الأطباء وأساتذة الصحة العامة هذه الحقيقة، وأكدوا ضرورة تجنب امتلاء المعدة بالطعام والشراب حتى يقي الإنسان نفسه من كثير من الأمراض ويعيش سليم البدن، صحيح النفس، قوي التركيز، يؤدي واجباته الدينية والدنيوية على الوجه الأكمل. *عضو هيئة كبار العلماء مفتي مصر السابق